رام الله- الاقتصادي- حرص على الأملاك خوفا من التفريط وتنازع بين الورثه، أبقت على العشرات من الدونمات والمنازل المهجورة لحين الاتفاق احيانا او لحين العودة للوطن أحيانا أخرى.
الأراضي المتروكة أو ما يعرف بأملاك الغائبين خسارة فردية لمن شاءت الظروف لهم أن يعيشوا خارج البلاد أو من حالت إجراءات حصر الإرث دون استفادتهم من ممتلكاتهم تعود بأثرها على فلسطين من الناحية الاقتصادية ومن الناحية الوطنية بخسارة الأرض.
قصة محمود التلفيتي جمعت في طياتها بعض إشكاليات أصحاب الأراضي وأسباب تركهم لممتلكاتهم، التلفيتي في العقد الرابع من العمر، من مواليد العاصمة الأردنية عمان، ولا يحمل الهوية الفلسطينية ويرث هو وأشقاؤه الثلاثة من جده 28 دونما في قرية تلفيت شمال نابلس.
الأرض قيمة معنوية ومادية
لا يعرف عن فلسطين سوى قصص الأرض الفلسطينية وجمالها التي نقلها جده ووالده لهم، وتعتبر الأرض بالنسبة له قيمة معنوية كونه من أبناء الأرض الذين لا يستطيعون العودة والعيش بها، وقيمة مادية لا يستطيعون الاستفادة منها بحكم غيابهم القسري عنها على حد تعبيره.
وأضاف التلفيتي خلال الاتصال الهاتفي الذي أجريته معه "واجهتنا العديد من المشاكل مع الأقارب فيما يتعلق بالتصرف بالأرض، والذين اعتبروا أنفسهم الأوصياء عليها بحكم غربتنا، وعدم وجود أقارب لنا من الدرجة الأولى في الوطن، تحولت وصاياهم مع مرور الوقت إلى ملكية غير تامة يحاولون من خلالها وضع أيديهم على الأرض ومنع أي عملية بيع او استثمار فيها لمعرفتهم بعدم إمكانية عودتنا لفلسطين والانتفاع من الأرض التي نملكها.
محاولة تزوير
وأضاف التلفيتي ""فوجئنا من خلال المحامي الموكل إليه قضية الأرض، بمحاولة تزوير أقاربنا لملكية أربعة دونمات تابعة لنا بعقود ملكية مزورة في محاولة منهم للاستيلاء على أرضنا"، معتبرا أن خسارة أرضهم في تلفيت تتمثل بخوفهم من خسارة الشيء الوحيد الذي يربطهم بالأرض التي ينتمون إليها ولا يعرفوها.
ويقول مدير عام تسجيل الأراضي في سلطة الأراضي شوكت البرغوثي "لا يمكن التطرق إلى موضوع الأراضي وسيادة أصحابها عليها دون التطرق للجانب السياسي وما مرت به الضفة الغربية خلال الاحتلال الإسرائيلي من عوامل ساعدت في عدم استغلال أصحاب الأراضي واستفادتهم منها وعدم تسجيلها بأسمائهم".
لا يوجد احصائيات حديثة
وعن مساحة الأراضي المتروكة او المعروفة بأملاك الغائبين قال البرغوثي "لا يوجد إحصائيات حديثة لعدد الأراضي المتروكة وان آخر حصر لها هو الذي أجرته إسرائيل خلال احتلالها لأراضي الضفة الغربية بعد عام 1967" .
وأضاف ان إسرائيل عمدت الى حصر الأراضي التي نزح عنها أصحابها بحجة حراستها وكانت تحصل على المال مقابل حراستها، وكانت تسمح لنفسها بتأجيرها لإسرائيليين وفلسطينيين او تبيعها ضمن صلاحية حارس أراضي الغائبين، مشيرا إلى أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي وضعت مجموعة من القوانين واستخدمت قانون الأراضي العثماني الصادر عام 1858 والذي يسمح للدولة بالتصرف في الأراضي المتروكة لما يزيد على ثلاث سنوات.
وأشار البرغوثي إلى ان إسرائيل أصدرت أمرا عسكريا خلال احتلالها للضفة الغربية باعتماد معظم أراضي الضفة الغربية "خارج حدود البلديات" كأراضي ميري اي "عسكرية "واعتبرتها أراضي عامة، وفرضت قيودا على إثبات حق أصحاب الأراضي في أراضيهم وشكلت لجانا إسرائيلية تختص بالنظر في حجج ملكية الأراضي لأصحابها وعملت على تعطيل تسجيل الأراضي والاعتراف بملكية أصحابها لها، معتبرا ان 90% من الأراضي المصنفة "ج" تقع ضمن هذا المسمى الذي تستغله حكومات اسرائيل المتعاقبة في عملية التوسع الاستيطاني على حساب المواطنين الفلسطينيين وأراضيهم.
وأضاف مدير عام تسجيل الأراضي في سلطة الأراضي "بقدوم السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 1994 وتسلمها لملف الأراضي أصبحت مسؤولة عنه من خلال وزارة المالية، وعملت السلطة في عام 2006 على مشروع تسجيل للأراضي في قرى التابعة لمحافظة رام الله والبيرة وانطلقت الحملة لتصل الى محافظات الضفة الغربية بتمويل من الحكومة الفنلندية والبنك الدولي".
وأشار إلى ان الأراضي التي تقع خارج صلاحيات السلطة الوطنية ضمن الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين، تضع إسرائيل يدها عليها ولا تسمح بتسجيلها وتضع العقبات أمام أصحابها لمنعهم من إثبات ملكيتهم للأراضي وعدم السماح لهم بزراعتها او البناء فيها بحجة عدم وجود حجج إثبات ملكية كافية للتسجيل.
30% فقط من أراضي الضفة مسجلة في الطابو
ونوه البرغوثي الى ان إجمالي الأراضي المسجلة طابو في الدوائر الفلسطينية تصل الى 30 % من إجمالي أراضي الضفة الغربية، وما يتبقى من أراضي مسجلة في قيود ضريبة الأملاك لغايات استيفاء الضريبة، في حين يبقى ما نسبته 70% من الأراضي غير مسجلة ولم يتم تسوية واثبات ملكيتها التي تضمن عدم التلاعب بملكيتها واحتفاظ أصحابها بحقهم في التصرف فيها.
وأعرب عن امله في ان تحذو جميع المحافظات في الضفة الغربية حذو محافظة جنين والتي وصلت نسبة تسجيل الأراضي فيها الى 97% من إجمالي أراضي المحافظة.
وعن الأراضي الموروثة والمتنازع في ارثها قال البرغوثي" إن أهم المعضلات التي تواجه حل مشكلة الأراضي الموروثة هي ملكيتها لعدد كبير من الأشخاص، بحيث تصبح غير قابلة للقسمة وتصل حصة الفرد في بعض الأحيان لعدد محدود من السنتيمترات، وان البت في مثل هذه القضايا يستدعي تسجيل العقار في دوائر التسجيل المختصة وينقل للورثة من خلال حصورات الإرث ومعاملات نقل الإرث او من خلال بيعه لأحد الورثة ليتمكن من التصرف فيه او يقوموا برفع قضية ازالة شيوع للمحكمة.
دعوة للنهوض بالثقافة المجتمعية في موضوع الأراضي
ودعا الى ضرورة النهوض بالثقافة المجتمعية تجاه تسجيل الأراضي، والتي اعتبر أنها ليست واسعة بالشكل الكافي خاصة من الجيل الجديد، والذي لا يعلم أهمية التسجيل والطابو، مشيرا الى خوف سكان القرى من تسجيل الاراضي وتوريث البنات والنساء الأمر الذي يفرضه القانون الفلسطيني والذي يحول دون التوجه لتسجيل الأراضي في الدوائر الرسمية.
ودعا الجهات المعنية والمؤسسات الإعلامية المحلية الى التركيز على أهمية تسجيل الأراضي والعمل على توعية المواطنين بفوائد التسجيل، والتي تحميهم من ضياع ملكيتهم ولأهميته في عملية رسم المخططات الهيكلية التي تنظم الأراضي وتوزع الخدمات فيها بحسب أنواعها واحتياجاتها من جهة وتساعد أيضا في الحصول على دعم من البنوك والدول المانحة للقيام بمشاريع تخدم أصحاب الأراضي والمجتمع، وتساعد في قيام مشاريع استثمارية تعود بالنفع على أصحابها وعلى المواطنين في القرى والمدن كافه.
وعن حجم الخسائر الاقتصادية التي تترتب على إبقاء الأراضي متروكة قال "لا يمكن حصر حجم الخسارة الاقتصادية إلا بمعرفة مساحة الأراضي المتروكة وطبيعتها وموقعها ومعرفة مساحة الأراضي التي استولت عليها إسرائيل وضمتها للمستوطنات".
وعن إمكانية تأجير الأراضي المتروكة للاستفادة منها، أوضح البرغوثي ان غالبية سكان الضفة الغربية كانوا يعملون في الزراعة وتحديدا في زراعة شتى أنواع المحاصيل وعلى مدار العام، وبعد الاحتلال وفتح أسواق العمل في الأراضي المحتلة وإغراء الفلسطينيين بإضعاف ما يحصلون عليه من زراعة أراضيهم، توجهت نسبة كبيرة من المزارعين للعمل في داخل الخط الأخضر وتركوا الأراضي، مضيفا أن من يستأجر الأرض يتطلب هذا ان يحقق نسبة ربح تغطي احتياجاته وتعيل اسرته وتغطي تكاليف استئجار الأرض وزراعتها الامر الذي لا يتحقق سوى في محافظة اريحا وطوباس وجنين لخصوبة أرضها وإمكانية زراعتها بمختلف المحاصيل وطوال العام.
في حالة لا تقل تعقيدا عن التلفيتي، قال احد المتضررين من تأخر حصر الإرث والذي طلب عدم ذكر اسمه "نملك منزلا وعددا من الدونمات كميراث عن جدي في قرية قريبة من مدينة رام الله، موزعة بين عدد من الورثة والذين آثروا حتى اللحظة عدم توزيع الميراث او الاتفاق على بيعه وتقسيمه محاصصة"، مضيفا "أن تأخير البت في قضية الأرض وحصر الإرث ترتب عليه عدم الاستفادة من الأرض لما يزيد على عشرة سنوات".
وأضاف "أن جزءا من أراضينا تقع في المنطقة "ج" بالقرب من مستوطنة "بيت ايل" المبنية على أراضي القرية والقرى المجاورة"، معربا عن خوفه من أن تمتد يد الاستيطان لتضم الأراضي القريبة وأن يخسر جميع الورثة حقهم في أرضهم قبل إثبات ملكيتها وتوزيعها.