170 ألف منشأة في الضفة و32 ألف نقطة بيع فقط.. السوق بحاجة للتوسع الرقمي
الاقتصادي- لا تزال أزمة تكدّس الشيكل في السوق الفلسطينية تُثير قلقاً واسعاً بين المواطنين والمؤسسات، في ظل استمرار البنوك العاملة في القطاع المصرفي بفرض قيود على الإيداعات الشهرية، ما يزيد من تعقيد المشهد المالي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبينما تواجه المصارف صعوبة في تصريف الشيكل بسبب القيود الإسرائيلية على عمليات المقاصة والتحويل، تتجه الأنظار إلى الدفع الإلكتروني كأداة رئيسية للتقليل من تداول النقد الورقي وتخفيف حدة الأزمة المتفاقمة.
ويبحث أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وحتى المؤسسات الكبيرة، عن طرق لتشجيع المستهلكين على استخدام وسائل الدفع الإلكتروني، سواء عبر نقاط البيع أو المحافظ الرقمية أو التطبيقات المصرفية، لما لذلك من أثر في تقليل الضغط على البنوك وتقليص مخاطر الاحتفاظ بكميات كبيرة من النقد.
يوضح رزق نوفل، صاحب سوبرماركت في إحدى قرى رام الله، لـ "الاقتصادي" أنه بات يشجّع الزبائن والتجار على استخدام بطاقات الفيزا البنكية أو التحويل المباشر بين الحسابات، وحتى تطبيق "ريفلكت" البنكي، مؤكداً أن هذا التوجّه يخفف من الجهد والوقت المرتبطين بعمليات الإيداع التقليدية.
ويؤكد نوفل أن على البنوك ومزودي خدمات الدفع الإلكتروني العمل على زيادة التوعية المجتمعية حول هذه الوسائل، وضمان خلوّها من العمولات الإضافية لتعزيز ثقة المستهلكين وتوسيع قاعدة الاستخدام.
وبحسب بيانات حصل عليها موقع "الاقتصادي"، يوجد في الضفة الغربية نحو 170 ألف منشأة اقتصادية، مقابل 32 ألف نقطة بيع إلكترونية فقط، ما يعكس فجوة كبيرة وفرصاً واعدة للتوسع في استخدام هذه الوسائل.
وتدعم هذه الفجوة معطيات أخرى تُشير إلى توفر بيئة خصبة للتحول الرقمي، حيث يمتلك قرابة 70% من البالغين حسابات مصرفية، ويوجد في السوق الفلسطينية 2.2 مليون بطاقة بنكية نشطة، و1.6 مليون عميل لدى البنوك، وفقاً لبيانات سلطة النقد.
حل تدريجي وليس فورياً
يرى الخبير الاقتصادي مؤيد عفانة في حديث خاص لـ"الاقتصادي" أن الدفع الإلكتروني يشكل أحد الحلول الممكنة لتخفيف أزمة الشيكل، لكنه يحتاج إلى وقت كي يتحول إلى ثقافة مالية راسخة في المجتمع الفلسطيني.
وأضاف أن السبب الرئيسي للأزمة يعود إلى القيود الإسرائيلية، إلا أن تقليل تداول العملة الورقية عبر الوسائل الرقمية سيساعد في تخفيف العبء عن القطاع المصرفي. وأكد أن هذه الوسائل آمنة، وتخضع لإجراءات رقابة وتحصين من قبل سلطة النقد والبنوك، مشيراً إلى أن الأخيرة تنفذ حملات توعية لتوضيح آلية استخدام البطاقات البنكية وتعزيز الثقة بها.
وأشار عفانة إلى أن هناك أكثر من 150 ألف موظف حكومي يستخدمون بطاقاتهم البنكية شهرياً، في حين تتوفر بطاقات مصرفية لنحو 70% من البالغين، وهو ما يشير إلى نضج البنية الأساسية للتحول نحو الدفع الإلكتروني.
شركات ومنصات ناشطة
يعمل في السوق الفلسطينية ست شركات مرخّصة لتقديم خدمات الدفع الإلكتروني، أبرزها: شركة الشرق الأوسط لخدمات الدفع (MEPS، والوطنية للدفع الإلكتروني "جوال باي"، ومدفوعاتكم، ومالتشات، وبال باي، ومنصة "أي سداد"، ومنصة "أي براق" للربط البنكي الذكي.
وتبرز كذلك تجربة "ريفلكت"، أول تطبيق بنكي رقمي بالكامل في فلسطين، أطلقه البنك العربي ومجموعة الاتصالات الفلسطينية عام 2023، ضمن ترخيص من سلطة النقد.
يوفّر تطبيق "ريفلكت" باقة من الخدمات المصرفية من خلال الهاتف المحمول، منها: فتح حسابات متعددة العملات (شيكل، دينار، دولار)، والتحويل بين الحسابات بأسعار صرف تفضيلية، والدفع عبر رموز QR أو Tap to Pay أو Apple Pay، ودفع فواتير المياه والكهرباء والاتصالات، ودفع أقساط الجامعات، وتحويل الأموال عبر منصة "أي براق" إلى الحسابات الأخرى داخل فلسطين.
خطوة استراتيجية لكنها تحتاج لجهد جماعي
تشير المعطيات إلى أن الدفع الإلكتروني في فلسطين لا يزال في بداية الطريق، لكنه يشكّل فرصة استراتيجية لتقليل اعتماد السوق على النقد الورقي، خاصة في ظل أزمة الشيكل التي تتفاقم منذ أشهر.
وتُعدّ الجهود المشتركة بين الحكومة، وسلطة النقد، والبنوك، والشركات، عاملا حاسما في إنجاح هذا التحول، بشرط أن يرافقها توعية مجتمعية، وسياسات خالية من العمولات، وضمانات أمان عالية تشجع المواطنين على تبنّي هذا النمط الجديد من التعاملات المالية.