
الاقتصادي- رغم المخاطر المتزايدة والتشديدات "القانونية" الإسرائيلية الأخيرة، لا يزال آلاف العمال الفلسطينيين يغامرون يوميا من أجل الوصول إلى أماكن عملهم داخل الخط الأخضر، في ظل غياب بدائل اقتصادية حقيقية داخل الضفة الغربية.
فقد صادق الكنيست الإسرائيلي خلال شهر تموز/يوليو الجاري، على مشروع قانون يُشدد العقوبات بحق العمال الفلسطينيين الذين يدخلون إسرائيل دون تصاريح عمل، حيث ينص القانون الجديد على فرض عقوبة السجن لمدة تصل إلى سنتين، وحرمان العامل من الحصول على تصريح عمل لمدة عشر سنوات في حال ضبطه.
لكن هذه الإجراءات لم تمنع الكثير من العمال من الاستمرار في عبور الجدار أو سلوك طرق التهريب، بحثا عن دخل يغطي احتياجات أسرهم، كما يؤكد العامل "ن.ه" (31 عاما) من قرى غرب رام الله، الذي أشار في حديثه لـ"الاقتصادي" إلى أن "المغامرة أصبحت الخيار الوحيد".
وأضاف أنه سبق واعتُقل وتعرض للضرب من قبل شرطة الاحتلال أثناء محاولته القفز عن الجدار، قبل أن يُطلق سراحه في منطقة بعيدة عن مكان توقيفه.
ويقول: "نبيت داخل الخط الأخضر لأسابيع وأحيانا لأشهر. لا نستطيع العودة إلى بيوتنا كما كان الحال قبل الحرب على غزة، والوضع الاقتصادي في الضفة لا يمنحنا خيارات أخرى".
من جهته، يروي العامل "س.ر" (55 عامًا) قصة مماثلة، مشيرا إلى أنه اضطر للجلوس في منزله عدة أشهر بعد اندلاع الحرب على غزة، لكن تراكم الديون وسوء الوضع المعيشي دفعه للعودة إلى العمل داخل إسرائيل، عبر وسطاء ينقلونه بمركبات تحمل لوحات تسجيل إسرائيلية، مقابل مبلغ يصل إلى 500 شيكل للرحلة الواحدة.
أما "إ.ح" (67 عاما)، فقد تخلى عن مهنة البناء بسبب التقدم في السن وصعوبة المخاطرة، ولجأ للعمل على سيارة عمومية داخل الضفة، رغم تراجع دخله مقارنة بما كان يتقاضاه داخل إسرائيل.
وفي محاولة للتخفيف من تداعيات غياب عشرات آلاف العمال عن أماكن عملهم داخل الخط الأخضر، أطلقت وزارة العمل الفلسطينية مؤخرا برنامج "بادر1"، الذي يوفّر قروضا حسنة بدون فوائد أو عمولات، تصل قيمتها إلى 60 ألف شيكل، مع فترة سداد تمتد لأربع سنوات، و6 أشهر فترة سماح، بهدف دعم إنشاء مشاريع صغيرة للعمال العاطلين عن العمل.
كما قدمت وزارة العمل، من خلال تمويل من الصندوق القطري للتنمية وتنفيذ "الأونروا"، مساعدات نقدية بقيمة 700 شيكل لـ4343 عاملًا من غزة عالقين في الضفة الغربية، إضافة إلى عدد من المرضى الذين تم إيواؤهم في مراكز سكن حكومية. إلا أن هذه المساعدة تُصرف بشكل غير منتظم، مرة كل شهرين أو ثلاثة، ما يحد من تأثيرها.
وفقا لاتحاد نقابات عمال فلسطين، فقد توفي منذ بداية عام 2025 نحو 33 عاملا داخل أراضي الـ48، بينهم 6 عمال أجانب، فيما لقي 22 منهم مصرعهم خلال مطاردات من قبل الشرطة الإسرائيلية، في مشهد يعكس خطورة الوصول غير النظامي إلى أماكن العمل.
وتُظهر بيانات النقابات تراجعا حادا في أعداد العمال الذين يحملون تصاريح عمل، حيث لا يتجاوز عددهم حاليا 25 ألف عامل، مقارنة بنحو 250 ألفا قبل الحرب، أغلبهم كانوا يعملون في قطاعات حيوية مثل البناء والتشييد، الفنادق، والصناعة داخل المستوطنات أو المدن الإسرائيلية.
ويُقدّر الدخل السنوي الذي كانت تدرّه العمالة الفلسطينية داخل إسرائيل بنحو 18 إلى 20 مليار شيكل، أي ما يعادل 1.6 مليار شيكل شهريًا، أو حوالي 170 مليون شيكل يوميًا، وفق خبراء اقتصاديين، ما يشكل أحد أعمدة الاقتصاد الفلسطيني.
رغم كل هذه المؤشرات، لا تزال السياسات الاقتصادية في الضفة الغربية عاجزة عن تقديم بدائل حقيقية لهذه الفئة، في ظل ضعف فرص العمل وارتفاع نسب البطالة وتدني الأجور مقارنة بما يتقاضاه العامل داخل الخط الأخضر.
ومع دخول القوانين الإسرائيلية الجديدة حيّز التنفيذ، تتزايد الضغوط على العمال الفلسطينيين الذين باتوا عالقين بين خيارين أحلاهما مرّ: المخاطرة والاعتقال.. أو البقاء بلا عمل ولا دخل.