
الاقتصادي- أعلن رئيس الوزراء محمد مصطفى، أن وزارة المالية وبدعم من خبراء ماليين مُتخَصصين تعمل على إعداد مُتطلبات إصدار سَنَدات سيادية من أجل توفير مَصادِرَ مالية من مستثمرين من ناحية، بما في ذلك البنوك وشركات الاستثمار ومُقدّمي الخدمات والمواطنين.
واعتبر رئيس الوزراء هذه الخطوة في حال إنجازها، أحد الحلول المُمكِنَة لتحسين الوضع المالي، وتسديد ديون المُورِّدين والمُوَظفين.
السندات السيادية، والمعروفة أيضا باسم السندات الحكومية، هي سندات دين تصدرها الحكومات بهدف اقتراض الأموال. حيث تعمل هذه السندات بشكل أساسي مثل القروض التي تحصل عليها من المُقرض، باستثناء أن المُقرض في هذه الحالة هو الدولة
وقال الخبير في الشؤون الاقتصادية مؤيد عفانة في حديث خاص لـ"الاقتصادي"، إن الفكرة ليست حديثة النشأة، إذ تم طرحها في سياقات مختلفة من تاريخ السلطة الفلسطينية، وفي كل مرة كان يتم تقييمها إن كانت مناسبة أو لا، تبعا للظروف السائدة حينها.
وأشار إلى أن خطة الحكومة الحالية لإصدار سندات سيادية تأتي في إطار توفر تمويل لسداد الديوان القائمة والمتأخرات، والتي تبلغ 45 مليار شيكل، حيث تعتبر السندات إحدى الأدوات لتوفير السيولة النقدية للحكومة، والتخفيف من الأزمة المالية الحالية.
ولفت عفانة إلى أن هناك عدة قضايا تلقي بظلالها على قوة السندات الحكومية أو ضعفها، وإمكانية أن الاستثمار فيها، إذ أن الاقتصاد الفلسطيني ينطوي على مخاطر غير منتظمة، أي غير متوقعة مثل: أزمة تكدس الشيكل، والأحداث اليومية من انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي والإغلاقات ومنع الحركة والتنقل، وأزمة عدم تحويل أموال المقاصة، وهذا ما يجعل المخاطر في الاقتصاد الفلسطيني مرتفعة، عدا عن عدم وجود عملة وطنية وبنك مركزي.
وفي المقابل، يرى بأن الجانب السياسي هو العنصر الحاكم في تحديد مدى قوة السندات السيادية وإمكانية الاستثمار فيها، مشيرا إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يوصف بأنه مرن جدا، أي أنه في حال توقفت الحرب على قطاع غزة، وبدأ الحديث عن حلول في الضفة الغربية وعودة تدفق إيرادات المقاصة في ظل الضغط الدولي سيؤدي ذلك إلى انتعاش اقتصادي بوقت سريع، خاصة أن الاقتصاد الفلسطيني هو اقتصاد خدماتي.
وعن مدى إمكانية نجاح إصدار السندات السيادية، أكد أن قرار طرحها يجب أن يتم من خلال تشريع قانون ينظم الحالة بما يتوائم مع التعديلات التي تتم على قانون الدين العام، وبدون ذلك تكون هذه السندات ضعيفة.
ورجح عفانة، أن تتضمن السندات الحكومية أحكاما تشريعية، خشية من تخوفات المستثمرين منها، في ظل المخاطر العالية وعدم الاستقرار السياسي في فلسطين، بالتالي فإنه في حال إصدارها لا بد من وجود إطار تشريعي لحماية المستثمرين وتخفيض المخاطر ما أمكن.
وأردف: السندات السيادية موجودة في كل العالم من أجل توفير تمويل للحكومات مع نسبة فائدة معينة، تشتريها المؤسسات الائتمانية كالبنوك أو القطاع الخاص، وتكون مثلا لمدة عامة بفائدة معينة، وهو فرصة للاستثمار، وفي نفس الوقت تمويل للدولة، وفي الدول المستقرة التي لدينا بنك مركزي واستقرار سياسي اقتصادي، سهل جدا نجاحها، وهذا ما هو متوفر بكثرة في الدولة الأوروبية وأميركيا، وحتى في إسرائيل.
وتعليقا على إعلان الحكومة حول هذه السندات، قال مصدر في أحد البنوك لـ"الاقتصادي"، إن البنوك لم تعد تشتري هذه السندات من المستثمرين، بسبب عجز الحكومة عن الوفاء بفترة السداد المنصوص عليها.
وأوضح، أن البنوك كانت تشتري السندات من المستثمرين وتدفع لهم ثمنها في تاريخه، وبدورها تحصل على قيمة السندات وفائدتها من قبل الحكومة، إلا أنها لم تعد تلجأ لذلك بسبب العجز المالي للسلطة الفلسطينية.
أوجه استخدام السندات
تستخدم الحكومات الأموال المجمعة من السندات السيادية لتمويل احتياجات مختلفة مثل:
تمويل البرامج الحكومية: يمكن أن يشمل ذلك أي شيء بدءًا من الرواتب ومشاريع البنية التحتية والضمان الاجتماعي وحتى الرعاية الصحية والتعليم.
سداد الديون الحالية: غالبًا ما تتحمل الحكومات ديونًا من الاقتراض السابق، ويمكن أن يساعد إصدار سندات جديدة في إدارة هذا الدين.
الاستجابة لحالات الطوارئ الاقتصادية: في أوقات الركود أو الأزمات، قد تعتمد الحكومات على السندات السيادية لجمع الأموال لحزم التحفيز أو الإنفاق الطارئ.
للسندات الحكومية عدة خصائص رئيسية، فحكومات الدول هي التي تصدرها، وليس الأفراد. ويمكن لهذه السندات أن تكون مقومة بالعملة المحلية للحكومة أو بالعملة الأجنبية. ويكون للسندات السيادية آجال استحقاق مختلفة، تتراوح من قصيرة الأجل كبضعة أشهر إلى طويلة الأجل كـ 30 سنة أو أكثر.
ومن الناحية الاستثمارية تعتبر السندات بشكل عام من الاستثمارات منخفضة المخاطر مقارنة بسندات الشركات، ولكنها ليست خالية تمامًا من المخاطر. حيث تعتمد المخاطر المرتبطة بالسندات السيادية بشكل أساسي على الجدارة الائتمانية للحكومة المصدرة. وتقوم وكالات التصنيف الائتماني بتقييم السندات السيادية بناءً على عوامل متعددة مثل الاستقرار الاقتصادي والاستقرار السياسي ومستويات الديون. وتميل السندات ذات التصنيف الأعلى إلى تقديم أسعار أقل، في حين أن السندات ذات التصنيف المنخفض تحمل عادة عوائدًا أعلى للتعويض عن المخاطر المتزايدة.
حجم سوق السندات السيادية
بلغ إجمالي سوق السندات العالمية 133 تريليون دولار في عام 2022م. باعتبارها واحدة من أكبر أسواق رأس المال في العالم، زادت سندات الدين سبعة أضعاف على مدى السنوات الأربعين الماضية. وتعزز هذا النمو مبيعات ديون الحكومات والشركات عبر الاقتصادات الكبرى والأسواق الناشئة. وعلى مدى الأعوام الثلاثة الماضية صنفت الولايات المتحدة من أكبر أسواق السندات على مستوى العالم، كما تقدر قيمة سنداتها بأكثر من 51 تريليون دولار، وتشكل السندات الحكومية غالبية سوق ديونها، مع أكثر من 26 تريليون دولار من الأوراق المالية المستحقة. وفي عام 2022م، دفعت الحكومة الفيدرالية 534 مليار دولار كفوائد على هذا الدين.
وتأتي الصين في المرتبة الثانية بنسبة %16 من الإجمالي العالمي، وسجل سوق السندات الصينية نموًا بنسبة %13 سنويًا. وتمتلك البنوك التجارية المحلية الحصة الأكبر من سنداتها القائمة، في حين تظل الملكية الأجنبية منخفضة إلى حد ما. وتباطأ الاهتمام الأجنبي بالسندات الصينية في عام 2022م وسط التوترات الجيوسياسية في أوكرانيا وانخفاض العائدات.
أما اليابان فلديها ثالث أكبر سوق للديون. ويمتلك البنك المركزي الياباني حصة ضخمة من سنداته الحكومية. وصلت ملكية البنك المركزي إلى مستوى قياسي بلغ %50، حيث قام بتعديل سياسة التحكم في منحنى العائد التي تم تقديمها في عام 2016م. وقد تم تصميم هذه السياسة للمساعدة في تعزيز التضخم ومنع أسعار الفائدة من الانخفاض. ومع بدء التضخم في الارتفاع في عام 2022م وبدء مستثمري السندات في البيع، اضطر إلى زيادة العائد لتحفيز الطلب والسيولة. وقد أرسل هذا التعديل موجات صادمة عبر الأسواق المالية.
وبشكل عام، يمكن أن تكون السندات السيادية أداة قيمة للحكومات لزيادة رأس المال وللمستثمرين الباحثين عن استثمارات مستقرة ومنخفضة المخاطر نسبيًا. ومع ذلك، من المهم فهم المخاطر المرتبطة واختيار السندات بناءً على الأهداف الاستثمارية والقدرة على تحمل المخاطر.