
الاقتصادي- المحامي صهيب الشريف، وبمشاركة المحامية يارا بقلة - يُعد مجلس إدارة الشركة المساهمة الجهة المخولة قانوناً بتحديد الاستراتيجية العامة للشركة ورسم سياساتها والرقابة على تطبيقها، تعيين المدراء التنفيذيين، والإشراف عليهم، والموافقة على الخطط والميزانيات، وغيرها من القرارات المؤثرة التي تضمن استقرار الشركة وتحقيق مصالحها ومصالح مساهميها.
تأسيساً على ذلك، ومن منطلق واجبات ومسؤوليات مجلس الإدارة، ولضمان قدرة المجلس على القيام بواجبه الذي اؤتُمِنَ عليه، لا بد من تشكيله من أعضاء ذوي كفاءة وخبرة مثبتة.
سنعالج في هذا المقال أهمية تدريب أعضاء مجلس الإدارة، بما يساعدهم ويضمن حسن أدائهم لواجباتهم المنوطة بهم، ويساعدهم في تحقيق أهداف الشركة. ونبدأ في تسليط الضوء على واجبات ومؤهلات أعضاء مجلس الإدارة.
أولاً: واجبات أعضاء مجلس الإدارة ومؤهلاتهم.
يتألف مجلس الإدارة الناجح من ثلاثة أنواع من الأعضاء: عضو مجلس الإدارة (تنفيذي)، عضو مجلس إدارة (غير تنفيذي)، عضو مجلس إدارة (مستقل). وإلى جانب واجبات عضو مجلس الإدارة بصفته عضو مجلس إدارة، قد تترتب عليه واجبات ومسؤوليات أخرى تبعًا لصفته ومنصبه في الشركة أو في اللجان التابعة للمجلس.
يتوجب على رئيس وأعضاء مجلس الادارة بصفتهم أعضاء مجلس إدارة "بغض النظر عن نوعهم" عدة واجبات؛ أبرزها:
أولاً: المحافظة على أموال الشركة والعمل على تنميتها.
ثانياً: ضمان التطبيق الفعّال لقواعد الحوكمة الرشيدة.
ثالثاً: الامتثال بأحكام القانون والنظام الأساسي واللوائح والسياسات.
رابعاً: واجب الإفصاح عن أي حالة قد تؤدي لتعارض في المصالح.
يُشار إلى أن قانون الشركات الفلسطيني (القرار بقانون رقم 42 لسنة 2021) نص على (شروط) ينبغي توافرها لعضوية مجلس الإدارة؛ تتمثل في: أن يكون عاقلاً، غير صادر بحقه حكم قطعي في جريمة مخلة بالشرف والأمانة، ألا يكون قد صدر قرار بعزله، وألا يكون عضواً في مجلس إدارة لأكثر من خمس شركات.
هذا ولم يحدد أو يتطلب القانون (مؤهلات) لأعضاء مجلس الإدارة ؛ إلا أن مدونة الحوكمة الرشيدة والممارسات الفضلى أوصت بضرورة أن يضم مجلس الإدارة أعضاء من تخصصات متنوعة، للتأكد من إضافة الخبرات إلى الشركة، كما أوصت أيضاً بتوفير التدريب اللازم لعضو مجلس الإدارة لأداء واجباته بكفاءة.
حول اللجان المنبثقة عن مجلس الإدارة
يعد تشكيل اللجان أحد أدوات الحوكمة الفعّالة؛ لما له من أهمية في تعزيز الشفافية والرقابة الداخلية، ويتم تشكيلها بقرار من مجلس الإدارة بناءً على رؤية الشركة وطبيعة أعمالها.
فصّل القانون بموجب المادة (189) تركيبة لجان مجلس الإدارة، إذ أوجب أن تضم اللجنة ثلاثة أعضاء على الأقل من بين أعضاء مجلس الإدارة المستقلين وغير التنفيذيين، أو غيرهم من الأشخاص الطبيعيين؛ من أصحاب المعرفة والخبرة العملية ذات العلاقة بمهام اللجنة.
هذا وألزم القانون مجلس الإدارة بتشكيل لجنة تدقيق لما لها من أهمية من الناحية الرقابية، واشترط أن يكون رئيس اللجنة عضواً مستقلاً. وتُعتبر اللجنة مسؤولة عن مراقبة امتثال الشركة والتزامها بسياسة المكافآت المُقرة من الهيئة العامة، ودراسة التقارير الدورية قبل عرضها على مجلس الإدارة، وتقديم التوصيات بشأنها، بالإضافة إلى دراسة خطة عمل مدقق الحسابات الخارجي والتأكد من قيام الشركة بتوفير كافة التسهيلات الضرورية له للقيام بعمله، وغيرها من الواجبات الدقيقة التي تحتاج لمراقبة وتحديث بيانات متواصل كونها: تؤثر بمكانة الشركة وسمعتها .
ولما كان انضمام عضو مجلس الإدارة إلى إحدى اللجان المتخصصة سيزيد من مسؤولياته، فإنه بلا شك سيتطلب منه مستوى أعلى من المعرفة الفنية والرقابية في المجال المتعلق بعمل اللجنة، وهنا تكمُن أهمية التدريب الإلزامي لأعضاء مجلس الإدارة.
ثانياً: التدريب الإلزامي لأعضاء مجلس الادارة
يقوم التدريب الإلزامي على برامج تأهيلية تهدف إلى تطوير مهارات الأعضاء لضمان قيادة الشركة بطريقة فعّالة. ويشمل التدريب توفير المعرفة الأساسية لمتطلبات الحوكمة والامتثال، بالإضافة إلى توفير مهارات مالية وقانونية (أساسية وضرورية) يفترض أن يعرفها أي عضو يشغل هذا المنصب.
نستطيع القول إن تلقِّي أعضاء مجلس الإدارة لهذا النوع من التدريب. سيمنح الشركة ومساهميها وإدارتها التنفيذية مستوى أعلى من الثقة والاطمئنان؛ لأن المجلس سيتخذ قراراته استناداً إلى المعرفة والكفاءة، مما يقلل من احتمالية تعرض الشركة لمخاطر غير مدروسة، على مستوى الإدارة والعمليات والسمعة.
في فلسطين، لم يُلزم القانون أعضاء المجلس بالتدريب الإلزامي. لكن مدونة حوكمة الشركات أوصت ( بشكل غير إلزامي) أن يتم تدريب أعضاء مجلس الإدارة لتمكينهم من المشاركة الفاعلة في متابعة أعمال الشركة وإدارتها وفق متطلبات الحوكمة.
في سياق متصل، نشير إلى أن بعض الجهات التنظيمية (مثل سلطة النقد) قد تلافت هذا القصور؛ إذ أوجبت على مجالس إدارة المصارف التأكد من تلقِّي أعضاء المجلس التدريب المناسب عند الانضمام .
في تجربة فريدة ومميزة، نجد أن المملكة العربية السعودية أوجبت التدريب الإلزامي لأعضاء مجلس الإدارة بموجب قرار صادر عن مجلس هيئة السوق المالية رقم (8-5-2023)؛ إذ عدلت المادة (37) من لائحة حوكمة الشركات، لتصبح إلزامية بعد أن كانت (استرشادية). حيث أصبح التدريب إلزامي لأعضاء مجلس إدارة الشركات المساهمة . وقد أُطلقت العديد من المبادرات والبرامج التي تساعد في تحقيق ذلك.
ختاماً، إنه وعلى الرغم من عدم وجود نص قانوني يُلزم أعضاء مجالس الإدارة بالتدريب الإلزامي، إلا أن النص عليه في دليل القواعد والممارسات الفضلى لحوكمة المصارف الصادر عن سلطة النقد يُشكل خطوة إيجابية يمكن البناء عليها. بما يشجع التدريب والتأهيل باعتباره جزء من الحوكمة الرشيدة، والتي تخفض التحديات التي تواجه الشركات المساهمة التي يتولى مجلس إدارتها أعضاء غير مؤهلين.