العبوات الفارغة تتحول إلى مصدر دخل لآلاف العائلات في الضفة الغربية

الاقتصادي- إيهاب عقل- على طول الطريق الواصل بين بلدة عين سينيا وحتى المدخل الشمالي لمدينة البيرة، يتجمّع منذ ساعات الصباح الباكر أطفال وشبان ونساء وحتى كبار في السن، لجمع العبوات البلاستيكية والحديدية الفارغة من جانبي الشارع. هذا المشهد لم يعد غريباً في مدن وبلدات الضفة الغربية، بل أصبح من المشاهد اليومية المألوفة، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023، وما تبعها من إغلاق لأبواب العمل في أراضي الـ48 أمام عشرات الآلاف من الفلسطينيين.
ويجمع معظم العاملين في هذا المجال على أن فقدان فرص العمل، خاصة في الداخل، ساهم بشكل مباشر في ازدياد أعداد من اضطروا إلى امتهان جمع العبوات الفارغة، بهدف توفير أدنى مقومات المعيشة لعائلاتهم في ظل انقطاع الدخل وارتفاع معدلات البطالة.
عدنان الخطيب، مواطن من مدينة جنين، تحدّث لموقع "الاقتصادي" عن تجربته قائلاً: "كنت أعمل داخل أراضي 48، ولكن منذ بداية الحرب أُغلقت أبواب العمل أمامنا. ومع غياب البدائل، بدأت في جمع العبوات الفارغة لتأمين لقمة العيش".
وأضاف: "كنت أخرج من منزلي في مدينة طوباس عند الخامسة صباحاً وأسير مشياً على الأقدام لمسافة تصل إلى 30 كيلومتراً باتجاه منطقة الباذان في نابلس، أبحث خلالها عن العبوات الفارغة، ولا أعود إلى البيت إلا بعد الساعة الثانية ظهراً. الأمر كان مرهقاً جداً في البداية".
ورغم شعوره بالخجل في أول أيامه في هذا العمل، إلا أن عدنان يقول إن مشاهدته للعدد المتزايد من المواطنين الذين يمتهنون نفس العمل شجعه على الاستمرار، مؤكداً أنه لم يعد يشعر بأي حرج.
ومع مرور الوقت، لم يعد الخطيب يكتفي بجمع العبوات بنفسه، بل بدأ بشرائها من مواطنين آخرين، وشغّل عدداً من العمال للعمل معه مقابل أجر يومي يبلغ نحو 50 شيكلاً. ويقوم حالياً بتخزين العبوات في مستودع خاص في مدينة جنين، ويجمع يومياً ما يقارب 3,000 عبوة، يبيعها لاحقاً لتاجر من مدينة نابلس بعد أن تتجاوز الكمية المجمّعة 50 ألف عبوة.
ويشرح عدنان أن هذا العمل لم يعد يقتصر على العاطلين عن العمل، بل امتد ليشمل موظفين حكوميين، منهم معلمون وأطباء وموظفون في وزارات مختلفة، خاصة منذ بداية أزمة انقطاع الرواتب. وأشار إلى أن بعض هؤلاء الموظفين يشاركون بأنفسهم في جمع العبوات، فيما يرسل آخرون أبناءهم للقيام بذلك.
ويعتمد سعر العبوات الفارغة على نوعها، إذ يبلغ سعر الكيلو ما بين 8 إلى 10 شواكل. العبوات المصنّعة في إسرائيل تُباع بسعر أعلى من تلك المصنوعة محلياً، بسبب طبيعةالمواد المستخدمة.
وفي مدينة بيت لحم، يعيش المواطن إبراهيم بريجي من مخيم العزة تجربة مشابهة. يقول لـ"الاقتصادي": "بدأت العمل في جمع العبوات قبل أكثر من شهرين، بسبب صعوبة الأوضاع الاقتصادية وقلة فرص العمل. في البداية كنت أجمع العبوات بنفسي، أمشي لمسافات طويلة تصل إلى 10 كيلومترات يومياً، وأعود إلى منزلي مع غروب الشمس، وفي أفضل الأحوال كنت أجمع نحو 8 كيلوغرامات يومياً".
ومع مرور الوقت، بدأ بريجي بشراء العبوات من جامعين آخرين، ويقول إنه يشتري يومياً ما بين 80 إلى 100 كيلوغرام بسعر 10 شواكل للكيلو الواحد، ويبيعها لتاجر في بلدة يطا جنوب محافظة الخليل.
ويُعتبر حسن مخامرة من بلدة يطا من أقدم العاملين في هذا القطاع، إذ بدأ بجمع وشراء العبوات منذ عام 2012. يقول إنه يشتري العبوات من معظم محافظات الضفة الغربية، ويورّدها إلى تجار داخل أراضي 48، والذين بدورهم يصدرونها إلى دول مثل الصين وتركيا.
وبحسب مخامرة، فإن سعر طن العبوات الفارغة المصنّعة محلياً يبلغ حوالي 12 ألف شيكل، بينما يصل سعر الطن للعبوات المصنّعة في إسرائيل إلى نحو 17 ألف شيكل، ما يعكس وجود سوق نشطة لهذا النوع من النفايات التي باتت تُستثمر كمصدر دخل.
ويؤكد مخامرة أن أعداد العاملين في هذا المجال شهدت ارتفاعاً كبيراً منذ اندلاع الحرب على غزة، بسبب ارتفاع معدلات البطالة، قائلاً: "من كان يضحك علينا في السابق، أصبح اليوم يعمل معنا".
وتدعم البيانات الرسمية هذا الواقع المتغيّر. فقد أظهرت الإحصاءات أن عدد العاطلين عن العمل في الضفة الغربية ارتفع إلى 313 ألف شخص في عام 2024، مقارنة بـ183 ألفاً في عام 2023. كما ارتفعت نسبة البطالة بين المشاركين في القوى العاملة إلى 31%، مقارنة بـ18% في العام السابق. وبلغ معدل البطالة بين الذكور 31.7%، مقابل 30.1% بين الإناث.
في ظل هذا المشهد، لم تعد العبوات الفارغة مجرد نفايات تُلقى على جوانب الطرق، بل تحولت إلى دخل يومي لعشرات العائلات الفلسطينية التي تكافح لتأمين الحد الأدنى من الدخل، في ظل انسداد الأفق الاقتصادي وتآكل فرص العمل.
.