صمت ثقيل، وحقائب تُحزم، وجوازات سفر تبحث عن طائرات ملونة

الاقتصادي- د. عدنان ملحم- تتسرّب الأخبار في الضفة الغربية كل يوم عن شباب وعائلات هاجروا من البلاد، أو يستعدون للمغادرة، وكأن الأمر أصبح جزءًا من المشهد اليومي. لا أرقام رسمية توثّق الحدث، ولا دراسات تكشف الحقيقة، ولا خطط فلسطينية توقف هذا النزيف البشري… صمت ثقيل، وحقائب تُحزم، وجوازات سفر تبحث عن طائرات ملونة.
تعرف إسرائيل جيدًا ماذا تفعل، فهي لا تطرد الناس بالقوة فقط، بل تبدع في صناعة حياة خانقة تدفع الفلسطيني لترك وطنه بنفسه وبمحض إرادته: حصار سياسي واقتصادي ومجتمعي للخريطة الفلسطينية، اغتيال لحاضر ومستقبل الناس وآمالهم وأحلامهم، قضم واستيطان متواصل للأرض، وحواجز وسجون وجدران من اليأس والألم والإحباط والوجع.
في المقابل، يغيب الفعل الفلسطيني الجاد، فلا سياسات، ولا مشاريع، ولا خطط حكومية أو وطنية أو فصائلية أو تربوية أو شبابية جادة تحتضن جيل الوطن الذبيح والمحاصر؛ مبالاة وسكون وقهر في كلّ مكان، وأفول لجسد العدالة والمساواة والحرية والقضايا الجمعية المشتركة، وكأن البلاد تخاصم ناسها.
أين تجارب لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي والتطوعي؟ أين النقابات ومجالس الطلبة والاتحادات النسوية والشبابية؟ أين الحراك الجماهيري الشعبي السلمي؟ أين روح الانتفاضة الأولى ومنهجها ودفء حضنها؟ أين المال الوطني المناضل الملتزم؟.
الشعب منقسم على ذاته، تائه في المكان والزمان، يبحث عن لقمة خبز، ولحظة أمن وأمان، ولغة حوار، وخريطة تفاهمات وأولويات، بينما هياكله ومؤسساته وفصائله ووزاراته وحكوماته، وقياداته وزعاماته وإعلامه وخطابه وعجلة اقتصاده، يعيش كل منها في واقع خاص به .
الهجرة ليست أرقامًا على ورق، بل فراغ يتسع في الحقول، وفي الجامعات، وفي المدارس، وفي الشوارع… فراغ في القلب والروح والذاكرة. وإذا استمر هذا النزيف، سيأتي يوم تبحث فيه الأرض عن أصحابها، والجغرافيا عن حراسها، والتاريخ عن صُنّاعه الأوفياء المخلصين ! لا تهاجروا يا شباب، لا تغادروا يا صبايا، لا تبتعدوا يا مناضلين أحرار، فنحن في كرب عظيم!