
الاقتصادي- في خطوة وُصفت بأنها "تحمي الجميع"، بدأت شركات التوصيل في فلسطين بالتحول نحو الدفع الإلكتروني، استجابة لقرار وزارة الاتصالات والاقتصاد الرقمي الذي يفرض سقفا للدفع عبر البطاقات الإلكترونية بقيمة 500 شيكل للطرد الواحد.
القرار الذي يُمنح فترة تجريبية مدتها ثلاثة أشهر، يثير نقاشا واسعا بين التجار والمستهلكين وشركات التوصيل.
مخاطر الكاش ومشاكل لا تنتهي
مدير شركة التوصيل (EPS) طارق حامد، يؤكد أن القرار جاء استجابة لمشكلات حقيقية تواجههم يوميا، أبرزها فقدان الأموال أو تعرضها للسرقة أثناء نقلها.
ويقول: "عندما تكون سياراتنا محملة ببضائع وأموال نقدية، فنحن أمام مخاطر كبيرة، ليس أقلها الأموال المزورة التي كثيرا ما نقع ضحية لها."
وأضاف في حديث خاص لـ"الاقتصادي": "القانون يُحمّلنا المسؤولية إذا استلمنا أموالا مزورة، حتى وإن كانت من المستهلك، مما يضعنا في مواقف قانونية معقدة نحن في غنى عنها."
فوائد مشتركة للتاجر والمستهلك
لا تقتصر الفوائد على شركات التوصيل، بل تمتد إلى التجار والمستهلكين. فبالنسبة للتاجر، يُسهّل الدفع الإلكتروني عمليات الإيداع والتحويل إلى الخارج، سواء لتسديد فواتير في تركيا أو الصين، بينما يحصل على مستحقاته بسرعة أكبر مقارنة بتأخير قد يصل إلى ثلاثة أيام عند الدفع النقدي.
أما المستهلك، فيستفيد من سهولة الدفع دون الحاجة إلى حمل مبالغ نقدية، خصوصا مع تزايد الاعتماد على الرواتب المحولة إلى البنوك والبطاقات الإلكترونية.
ويشير حامد، إلى أن الناس تجد صعوبة في السحب أو الإيداع النقدي، لذلك الدفع بالبطاقة أصبح خيارا أكثر أمانا وراحة.
العمولة… مصدر جدل آخر
رغم الإيجابيات، لا تخلو التجربة من تحديات. إذ يلفت حامد، إلى أن البنوك تفرض عمولة تصل إلى 2% على البطاقات الأجنبية، وهو مبلغ تتحمله مباشرة من أرباحها البسيطة.
ويوضح أحد مسؤولي الشركات: "نحن نحقق ربحا ضئيلا، أحيانا لا يتجاوز شيكلا ونصف من كل طرد، وبالتالي لا نستطيع تحمّل هذه العمولة، ونصارح المستهلك بها منذ البداية."
وبحسب حامد، فإن تحديد سقف 500 شيكل لم يكن عشوائيا، بل جاء بعد دراسة لآلاف الطرود أظهرت أن متوسط قيمتها يتراوح بين 350–400 شيكل.
وبالتالي، رأت الوزارة أن السقف المحدد ينسجم مع واقع السوق.
ورغم الطابع الإلزامي للقرار، إلا أن الوزارة أكدت أن التنفيذ سيكون تدريجيا وبمرونة. فشركات التوصيل حصلت على فترة ترويجية لاختبار التجربة، فيما يبقى القرار "قابلًا للنقاش" بعد ثلاثة أشهر، وفق ما أعلنت الوزارة.
هواجس ضريبية
إلى جانب التحديات التشغيلية، تبرز مخاوف مرتبطة بالضرائب. حيث قال حامد، إن شركات التوصيل تخشى أن تُحتسب المبالغ المودعة في حساباتها وكأنها أرباح شخصية، رغم أنها تخص آلاف التجار.
وقد رفعت هذه الهواجس إلى وزارة المالية عبر وزارة الاتصالات لتوضيح الصورة ومنع أي ازدواج ضريبي.
وفي المحصلة، يبدو أن الدفع الإلكتروني يشق طريقه تدريجيا إلى قطاع التوصيل في فلسطين، جامعا بين تسهيل العمليات المالية من جهة، ومثيرا لنقاشات واسعة حول التكاليف والضرائب من جهة أخرى، وبين الحذر والترحيب، يبقى الامتحان الحقيقي هو مدى تقبّل المستهلك الفلسطيني لهذه الخطوة خلال الأشهر المقبلة.