ملامح الخطة المصرية لإعمار غزة
10:50 صباحاً 15 تشرين الأول 2025

ملامح الخطة المصرية لإعمار غزة

الاقتصادي- تقترح الخطة المصرية التي طرحتها القاهرة خلال قمة شرم الشيخ، والتي حظيت بتأييد عربي واسع، مقاربة متدرجة تبدأ بمرحلة طوارئ لإزالة مخلفات الحرب وتأمين المناطق، تليها مرحلة إعادة الخدمات الحيوية، مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي، ثم مرحلة إعادة الإعمار العمراني والاقتصادي التي تمتد حتى عام 2030.

وتشدد الخطة على أن تتولى مصر، بالتنسيق مع الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية، إدارة عملية الإشراف والتوريد، على أن يجري فتح معبر رفح بشكل مستدام لتسهيل مرور المعدات والمواد الخام، مع إنشاء مراكز حدودية في شمال سيناء، لمعالجة الركام وإنتاج مواد البناء محلياً، بما يخلق فرص عمل جديدة، ويقلل من كلفة النقل. وتطمح القاهرة إلى تحويل عملية الإعمار إلى مشروع تنموي إقليمي، يشمل شركات المقاولات المصرية الكبرى، بحيث تصبح مصر محوراً لوجستياً لإعادة إعمار القطاع.

لكن المسار لا يخلو من تحديات حقيقية. فالتجربة السابقة بعد حرب عام 2014 أثبتت أن التعهدات المالية لا تكفي ما لم تُترجم إلى آليات تنفيذ واضحة. فقد تعهد المانحون آنذاك بتقديم نحو 5.4 مليارات دولار، إلا أن معظم تلك الوعود لم تُنفذ، بسبب التعقيدات السياسية وغياب نظام حوكمة فعّال لإدارة التمويل. ولهذا السبب، تشير مصادر دبلوماسية إلى أن القاهرة تضغط الآن لتأسيس صندوق اتئماني متعدد المانحين تديره الأمم المتحدة والبنك الدولي لضمان الشفافية ومراقبة الصرف، بحيث تُربط الدفعات بمؤشرات إنجاز محددة لكل مرحلة من مراحل الإعمار.

ويتعلق التحدي الثاني بما يُعرف بآلية الوصول للمواد، أو ما يُسمّى "الاستخدام المزدوج"، إذ لا تزال إسرائيل تفرض قيوداً مشددة على دخول مواد البناء والآليات الثقيلة إلى القطاع بدعوى إمكانية استخدامها لأغراض عسكرية. وقد أثبتت تجربة "آلية إعادة إعمار غزة" السابقة أن هذه القيود أدت إلى بطء مُفرط في تنفيذ المشاريع، وإلى حالة من الشلل في سوق المقاولات المحلي. لذلك تطرح مصر، بالتعاون مع الأمم المتحدة، تصوراً جديداً يقوم على نظام رقابي رقمي يضمن تتبع المواد دون تعطيلها، مع تفتيش انتقائي بدلاً من الرقابة الكاملة على كل شحنة، بما يتيح تسريع وتيرة الإعمار دون الإخلال بالمخاوف الأمنية.

 

 

وتبقى إزالة الذخائر غير المنفجرة واحدة من العقبات الأخطر أمام الانطلاق الفعلي للمشروعات. فبحسب بيانات الأمم المتحدة، فإن مئات الكيلومترات المربعة من الأراضي في غزة تحتاج إلى تطهير قبل أن تصبح صالحة للبناء أو السكن. وتشير تقديرات مكتب الأمم المتحدة لخدمات الأعمال المتعلقة بالألغام (UNMAS) إلى أن العملية تتطلب ميزانية ضخمة، وتجهيزات متخصصة، وفرقاً هندسية عالية الكفاءة، ما يعني أن مرحلة "الهندسة الميدانية" ستكون الأساس الذي تُبنى عليه مراحل الإعمار التالية.

وقال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير حسين هريدي، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إن عملية إعادة إعمار قطاع غزة لن تبدأ فعلياً إلا بعد التأكد من انتهاء الحرب وضمان عدم عودة إسرائيل إلى شن هجمات جديدة على القطاع، مشيراً إلى أن الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية ستشترط تحقيق هذا الضمان الأمني قبل تقديم أي تمويل أو مساهمات.

وأوضح هريدي أن التكلفة التقديرية لعملية الإعمار، وفق تقديرات الأمم المتحدة، تبلغ نحو 53 مليار دولار، وهو رقم ضخم يتطلب التزامات طويلة المدى من المجتمع الدولي، ومشاركة واسعة من الدول العربية والغربية على حد سواء.
وأشار إلى أن إسرائيل ما زالت تفرض رقابة مشددة على المعابر، وتقوم حالياً بتفتيش الشاحنات قبل دخولها إلى قطاع غزة، وهو ما يعكس استمرار القيود الإسرائيلية التي قد تعرقل أي تحرك جدي نحو بدء عملية إعادة الإعمار في المرحلة الحالية.

Loading...