
الاقتصادي- تواجه صناعة السيارات الفرنسية مستقبلا مجهولا مع تراجعٍ يفوق مليوني سيارة في سوق أوروبا بين 2019 و2024، وتباطؤ في إقلاع السيارات الكهربائية حيث هبطت حصتها في السوق المحلية فقط خلال عامي 2024 و2025 إلى أقل من ربع المبيعات. وحذر تقرير برلماني بعنوان "ضد تحطم مبرمج: 18 إجراء عاجلا لصناعة السيارات الفرنسية" من هذه الأزمة ما لم تتخذ إجراءات سريعة لحماية السوق، وتحسين فعالية دعم الطلب، واستعادة هوامش الربحية لتمويل البحث والتطوير.
التقرير الذي أعده النواب آلان كاديك وآنيك جاكيميه وريمي كاردون عن لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس الشيوخ الفرنسي وقدموه أول أمس، بعد عملية بحث ورصد بدأت منذ ديسمبر/ كانون الأول 2024، شدد على أن اختفاء صناعة السيارات الفرنسية ستكون له عواقب جسيمة على الوظائف والابتكار والسيادة الصناعية.
مخاوف قطاع السيارات
في محور الصدمة الاجتماعية، قال التقرير إن هذا القطاع يشغل نحو 350 ألف عامل مباشرة، موزعين على قرابة 4000 موقع صناعي داخل فرنسا. وخلف هذه المصانع تمتد شبكة كبيرة من الموردين والسائقين ومستودعات التخزين وورش الإصلاح والمتاجر. لذلك، "إذا توقفت المصانع أو خفضت إنتاجها، فلن يتأثر عمال المصانع وحدهم، بل ستتراجع مداخيل عائلاتهم وتتضرر محلات الأحياء والخدمات من حولهم". وعند احتساب كل حلقات السلسلة، "تصل الوظائف المعرضة للخطر إلى نحو 800 ألف وظيفة. هذه خسارة تمس مدنا كاملة تعتمد على المصنع بوصفه محرّكاً لحياتها الاقتصادية".
وتحت بند ضريبة الابتكار، أشار التقرير البرلماني إلى أن صناعة السيارات في فرنسا تعد من أكثر القطاعات إنفاقا على البحث والتطوير في فرنسا، وهي تسجّل عددا كبيرا من براءات الاختراع سنويا. "وإذا انكمش القطاع، ستتقلص ميزانيات المختبرات، وتتوقف مشاريع تطوير البطاريات والبرمجيات وأنظمة القيادة، وقد يهاجر مهندسون وفنيون إلى الخارج بحثا عن فرص أفضل". هذه التداعيات سينجر عنها، حسب التقرير، "تأخر التقنيات الفرنسية عن منافسيها، وضعف فرص الشركات الناشئة التي تعيش على عقودها مع المصنعين".
وفي محور مخاطر على السيادة، نقل التقرير أن قرابة 80% من بطاريات أوروبا تأتي من آسيا، و"بالتالي إذا تعطل الاستيراد أو ارتفعت الأسعار كثيرا، قد تتوقف خطوط التجميع، لأن البطارية جزء أساسي في السيارة الكهربائية". فضلا عن أن بيانات كثير من السيارات المتصلة تعالج خارج أوروبا، وبناء على ذلك طرح التقرير أسئلة أمنية "أين تُحفظ البيانات؟ ومن يضع قواعد استخدامها؟".
اقتراحات حماية السوق
في باب الاقتراحات لتفادي "التحطم المبرمج"، اقترح التقرير البرلماني من أجل حماية السوق الفرنسية بشكل فوري فرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية بمستويات لا تقل عن تلك التي تطبقها الصين، ووضع قواعد "محتوى محلي أوروبي" لا تقل عن 80% من قيمة المركبة (باستثناء البطارية)، مع هدف ألا تقل الحصة الأوروبية من البطاريات عن 40% بحلول 2035. مع توحيد أدوات دعم الشراء على المستوى الأوروبي وخلق سوق نشطة للمستعمل عبر "تشخيص بطارية معتمد وإلزامي".
وبهدف تعديل مسار الانتقال البيئي، دعا التقرير إلى تأجيل حظر بيع السيارات الحرارية الجديدة ما بعد 2035، وتطبيق "الحياد التكنولوجي" فعليا بما يتيح مسارات خفض انبعاثات بديلة مثل الوقود الحيوي إلى حين نضوجها، إضافة إلى ابتكار فئة تنظيمية للسيارات الصغيرة تخفض كلفتها عبر متطلبات أمان أخف مقابل قيود على الحجم والسرعة.
ولاستعادة التنافسية والقيادة التقنية، دعا التقرير إلى تسريع إنشاء مصانع البطاريات الأوروبية (المصانع العملاقة)، وتطبيق استراتيجية المواد الخام الحرجة سريعا مع إنشاء "مراكز معدنية للتوريد والمعالجة"، واشتراط نقل التكنولوجيا على المستثمرين غير الأوروبيين الراغبين بدخول السوق"، كما دعا إلى خفض كلفة العمل والطاقة في فرنسا، ومواءمة قواعد الاستثمار داخل الاتحاد لتفادي النزوح شرقا، ومواكبة إعادة هيكلة الموردين بخطط دعم وطنية وأوروبية، وتعزيز تمويل البحث والتطوير وحماية "ائتمان ضريبة البحث"، والاستثمار المكثف في البرمجيات وبناء منظومة أوروبية للمركبة الرقمية.
الضبابية
وكانت "ستيلانتس" (مجموعة سيارات متعددة الجنسيات)، قد أعلنت عن استثمار بقيمة 13 مليار دولار لتوسيع إنتاجها في الولايات المتحدة خلال أربع سنوات، لزيادة الإنتاج المحلي 50% وخلق أكثر من 5000 وظيفة، وهو ما يعكس إعادة توجيهٍ جغرافي للاستثمار. كما تشير تقارير إلى أن شركة رينو تدرس خفضا بحوالي 3000 وظيفة ضمن برنامج تقشف.
ولطالما كانت فرنسا بين كبار المنتجين عالميا وأوروبيا في صناعة السيارات، فقد بلغ إنتاجها 3.35 ملايين مركبة عام 2000، قبل أن يتراجع بنحو 59% إلى 1.4 مليون في 2022، ما يعكس مسارا تنازليا طويلا تسارع بعد صدمات الجائحة والشرائح والطاقة.