رغم أن الحكومة لم تُصدر حتى اللحظة أي إعلان رسمي بهذا الخصوص، فإن مجرد طرح الفكرة أثار جدلاً في الأوساط الاقتصادية والقانونية، بين من يرى فيها أداة لتخفيف الضغط عن الخزينة العامة، ومن يحذّر من انعكاساتها المباشرة على حقوق الموظفين المالية وقيمتها الشرائية

الاقتصادي- على خلفية إصدار الرئيس محمود عباس القرار بقانون رقم (20) لسنة 2025 بتعديل قانون الدين العام، وما تضمّنه من تعديلات جوهرية أبرزها إنشاء “حساب الوفاء” في وزارة المالية الفلسطينية لتجميع الأموال المخصصة لسداد الالتزامات المترتبة على السندات الحكومية، برزت خلال الأيام الأخيرة تقديرات محلية تشير إلى أن الحكومة قد تدرس خيار تحويل المستحقات المالية المتراكمة للموظفين الحكوميين إلى "سندات دين".
ورغم أن الحكومة لم تُصدر حتى اللحظة أي إعلان رسمي بهذا الخصوص، فإن مجرد طرح الفكرة أثار جدلاً في الأوساط الاقتصادية والقانونية، بين من يرى فيها أداة لتخفيف الضغط عن الخزينة العامة، ومن يحذّر من انعكاساتها المباشرة على حقوق الموظفين المالية وقيمتها الشرائية. فما الذي يعنيه فعلياً تحويل المستحقات إلى سندات؟ وما هي إيجابيات هذا الخيار ومخاطره المحتملة على الاقتصاد الفلسطيني والموظف على حد سواء؟
يقول الخبير الاقتصادي هشام الشرباتي، إن تحويل الدين إلى سند يعني أن الحكومة تعترف رسميا بأنها مدينة للموظف بمبلغ محدد (كرواتب متأخرة أو مكافآت أو مستحقات تقاعدية)، لكنها لا تدفعه نقدا في الوقت الحالي.
وأضاف، أنه بدلا من الدفع المباشر، يحصل الموظف على سند مالي مكتوب فيه مثلًا: "تتعهد الحكومة بدفع 10 آلاف دولار بعد خمس سنوات بنسبة فائدة 4% سنويًا"، أي أن الدين يتحول من مستحق نقدي فوري إلى ورقة مالية مؤجلة.
ويرى الشرباتي أن هناك بعض الجوانب الإيجابية الظاهرية لهذه الخطوة، أبرزها: أن السند يمثل ضمانا رسميا بالدين ويشكل اعترافا حكوميا به، وإمكانية الربح المحدود في حال منح السند فائدة سنوية (مع التأكيد على أن الفائدة الربوية محرّمة شرعا)، ومنح الحكومة مرونة مالية مؤقتة وتأجيل الضغط على الخزينة، وأيضاً فإن هناك إمكانية لاستخدام السند كرهن بنكي أو بيعه في السوق إن كان مسموحا.
مخاطر ومحاذير كبيرة
وحذر الشرباتي من مجموعة مخاطر خفية تمس مباشرة حقوق الموظفين، أهمها: فقدان القيمة الشرائية بسبب التضخم مع مرور السنوات، ومخاطر السداد في حال تأخر الحكومة أو عجزها عن الوفاء بالديون في المستقبل، وضعف قابلية التداول، إذ قد يضطر الموظف لبيع السند بسعر أقل بكثير من قيمته الأصلية، وفقدان الحق بالمطالبة الفورية، إذ يعد قبول السند تنازلا عن المطالبة المباشرة بالدين، إضافة إلى ثغرات قانونية محتملة، قد تتيح للحكومة تأجيل السداد بحجة الوضع المالي أو "قدرة الموازنة".
من المستفيد الحقيقي؟
ويوضح الشرباتي، أن المستفيد الأول من هذه الخطوة هو الحكومة التي تخفف الضغط المالي الفوري وتؤجل الدفع، بينما الموظف قد يكون المتضرر الأكبر، نظرا لفقدان السيولة النقدية الفورية وتراجع القوة الشرائية للأموال المؤجلة.
ويضيف، أن الموظف لا يستفيد فعليا إلا إذا كان السند مضمونا بالكامل، قابلا للتداول، ومبنيا على أصول حقيقية أو مشاريع استثمارية، على غرار الصكوك الإسلامية، وليس على نظام الفوائد الربوية المحرمة.
ويختم الشرباتي حديثه بعدة توصيات لضمان العدالة في حال تطبيق الفكرة أبرزها: إلزام الحكومة بتحديد موعد سداد ثابت وغير قابل للتأجيل، وضمان أن يكون السند قابلا للتداول أو الرهن البنكي، وتعويض الموظفين عن التضخم واحتساب العلاوات المعلقة بأثر رجعي، مثل علاوة 10% للمعلمين، وربط قيمة السند بعملة مستقرة أو بمؤشر الذهب للحفاظ على القوة الشرائية، ومنع خصم قيمة السندات عند البيع لتجنب التعاملات الربوية، و إخضاع العملية لرقابة شرعية من دار الإفتاء الفلسطينية، وتحويل السندات إلى صكوك إسلامية مرتبطة بأصول حقيقية أو مشاريع إنتاجية.
ويؤكد الشرباتي، أن "تحويل مستحقات الموظفين إلى سندات دين قد يبدو حلا مؤقتا للأزمة المالية، لكنه يحمل مخاطر كبيرة على حقوق العاملين في حال لم تُضمن له الضمانات القانونية والشرعية الكافية".
المرصد: ترحيل للأزمة
واعتبر، مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية القرار بأنه الأخطر منذ نشوء السلطة الفلسطينية، لما يحمله من مخاطر على الاقتصاد ومدخرات المودعين، خاصة مع التوجه لإصدار سندات خزينة جديدة.
ويرى المرصد أن الخطوة تمثل ترحيلا للأزمة المالية إلى الأجيال القادمة في ظل غياب مصادر تمويل واضحة وضعف قدرة الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها الحالية.