الوقود الإلكتروني: مستقبل الطاقة النظيفة في السيارات
12:18 مساءً 13 تشرين الثاني 2025

الوقود الإلكتروني: مستقبل الطاقة النظيفة في السيارات

الوقود الإلكتروني يقدم بديلاً نظيفًا ومستدامًا لتحسين النقل وتقليل الانبعاثات الكربونية بشكل كبير

الاقتصادي- مع ازدياد الوعي البيئي وتسارع الجهود العالمية للحدّ من الانبعاثات الكربونية، بدأ العالم يبحث بجدّية عن بدائل مستدامة للوقود الأحفوري. وبينما استحوذت السيارات الكهربائية على النصيب الأكبر من الاهتمام خلال السنوات الماضية، ظهر في الأفق نجم جديد قد يكون الحلّ المثالي لتقليل الانبعاثات دون الاستغناء عن محركات الاحتراق الداخلي التقليدية. هذا النجم هو الوقود الإلكتروني (E-Fuel)، الذي يُنظر إليه اليوم كأحد أكثر الابتكارات الواعدة في صناعة الطاقة والنقل على مستوى العالم.

الوقود الإلكتروني هو وقود صناعي يتم إنتاجه من مزيج الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون باستخدام الطاقة المتجددة، بحيث يمكن استخدامه في السيارات والمركبات الحالية دون الحاجة إلى أي تعديل جوهري في المحرك. الفكرة ببساطة تقوم على “إعادة تدوير الكربون” الموجود في الغلاف الجوي وتحويله إلى طاقة نظيفة قابلة للاستخدام، ما يجعل هذا الوقود شبه محايد كربونيًا ويُسهم في كسر حلقة الانبعاثات الضارة.

في هذا المقال الشامل، نستعرض كل ما تريد معرفته عن الوقود الإلكتروني للسيارات، من آلية إنتاجه وأنواعه ومزاياه، إلى التحديات التي تواجهه وإمكانياته في تغيير مستقبل صناعة النقل.

ما هو الوقود الإلكتروني وكيف يُنتج؟

الوقود الإلكتروني أو E-Fuel يُعد وقودًا اصطناعيًا يتم تصنيعه عبر عمليات كيميائية معقدة، لكنه في جوهره يعتمد على مبدأ بسيط:

استخدام الكهرباء المولدة من مصادر متجددة (مثل الطاقة الشمسية أو الرياح) لتفكيك جزيئات الماء إلى هيدروجين وأكسجين من خلال عملية تُعرف بـ«التحليل الكهربائي». بعد ذلك، يتم دمج الهيدروجين الناتج مع ثاني أكسيد الكربون (CO) الملتقط من الجو أو من الانبعاثات الصناعية لإنتاج مركبات هيدروكربونية سائلة أو غازية تشبه إلى حد كبير البنزين أو الديزل التقليدي.

بهذه الطريقة، لا تتم إضافة كربون جديد إلى الغلاف الجوي، بل يتم إعادة تدوير الكربون الموجود مسبقًا. لذا، يُعتبر الوقود الإلكتروني أحد الحلول القليلة التي يمكنها تحقيق توازن بين تقليل الانبعاثات والحفاظ على البنية التحتية الحالية للمحركات ومحطات الوقود.

مزايا الوقود الإلكتروني: طاقة المستقبل النظيفة.

الوقود الإلكتروني لا يُعتبر مجرد خيار بديل للوقود التقليدي، بل يمثل جسرًا بين الماضي والمستقبل يجمع بين البنية التحتية القديمة للمحركات، والطموحات المستقبلية نحو بيئة خالية من الانبعاثات.

1. تقليل الانبعاثات الكربونية:

الميزة الأهم والأكثر جذبًا في الوقود الإلكتروني هي قدرته على تقليل الانبعاثات الكربونية بشكل كبير. عند إنتاجه باستخدام الكهرباء المتجددة وغاز ثاني أكسيد الكربون الملتقط من الجو، يمكن أن يكون محايدًا كربونيًا بالكامل. أي أن كمية الكربون المنبعثة أثناء احتراقه تعادل الكمية التي تم استخدامها لإنتاجه.

هذه الخاصية تجعل الـ E-Fuel وسيلة فعالة لتحقيق الحياد الكربوني الذي تسعى إليه الحكومات والشركات الكبرى بحلول عام 2050.

2. توافقه مع البنية التحتية الحالية:

على عكس السيارات الكهربائية التي تتطلب شبكات شحن جديدة وتعديلات جذرية في أنظمة النقل، يمكن للوقود الإلكتروني الاعتماد على البنية التحتية الحالية لمحطات الوقود ومخازن الطاقة.

كما يمكن استخدامه في السيارات العاملة حالياً بالبنزين أو الديزل دون الحاجة إلى تغيير في المحرك أو نظام الوقود، وهو ما يجعله خيارًا عمليًا وقليل التكلفة من ناحية التبني الواسع.

3. حل لمحدودية الكهرباء في بعض القطاعات:

رغم انتشار السيارات الكهربائية، إلا أن كهربتة القطاعات الثقيلة مثل الشحن البحري والطيران ما تزال تحديًا كبيرًا بسبب الحاجة إلى طاقة عالية وكثافة طاقوية أكبر مما توفره البطاريات.

وهنا يظهر دور الوقود الإلكتروني كبديل مثالي بفضل كثافته الطاقوية العالية وسهولة نقله وتخزينه، ما يجعله مناسبًا لتلك القطاعات التي يصعب تحويلها إلى كهرباء بالكامل.

4. دعم مبدأ الاقتصاد الدائري للكربون:

إحدى النقاط التي تجعل الوقود الإلكتروني فريدًا هي مساهمته في إغلاق دورة الكربون، أي استخدام الانبعاثات الضارة كمصدر لإنتاج طاقة جديدة، مما يحد من تراكم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

أنواع الوقود الإلكتروني:

يمكن تصنيف الوقود الإلكتروني إلى نوعين رئيسيين حسب حالته الفيزيائية: غازي وسائل، ولكل نوع استخدامات مختلفة حسب طبيعة المركبات والقطاعات.

1. الوقود الإلكتروني الغازي (Power-to-Gas):

يُنتج هذا النوع عبر تحليل الماء كهربائيًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي يمكن دمجه مع ثاني أكسيد الكربون أو النيتروجين لإنتاج أنواع مختلفة مثل:

الهيدروجين الإلكتروني (e-Hydrogen).

الميثان الإلكتروني (e-Methane).

الأمونيا الإلكترونية (e-Ammonia).

يُستخدم هذا النوع بشكل أساسي في الصناعات الثقيلة أو توليد الطاقة، ويمكن حقنه في شبكات الغاز الطبيعي أو استخدامه في خلايا الوقود لتشغيل المركبات الكهربائية الهجينة الهيدروجينية.

2. الوقود الإلكتروني السائل (Power-to-Liquid):

يُنتج عبر دمج الهيدروجين الأخضر مع ثاني أكسيد الكربون لإنتاج وقود سائل مثل:

البنزين الإلكتروني (e-Gasoline)

الديزل الإلكتروني (e-Diesel)

الكيروسين الإلكتروني (e-Kerosene) المستخدم في الطائرات.

الميزة الكبرى في هذا النوع أنه يتمتع بخاصية “Drop-in Fuel”، أي أنه يمكن استخدامه مباشرة في السيارات التقليدية دون أي تعديل، ما يجعله الخيار المفضل للانتقال التدريجي نحو مستقبل خالٍ من الانبعاثات.

استخدامات الوقود الإلكتروني في السيارات:

يُعد الوقود الإلكتروني من أكثر أنواع الطاقة مرونة في الاستخدام، إذ يمكن توظيفه في مختلف وسائط النقل البرية والبحرية والجوية.

1. السيارات الخفيفة ومحركات الاحتراق التقليدية:

يمكن استخدام البنزين أو الديزل الإلكتروني في السيارات الحالية بسهولة، مما يمنح المستهلكين خيارًا صديقًا للبيئة دون الحاجة إلى شراء سيارات كهربائية جديدة.

وبفضل خصائصه الكيميائية المشابهة للوقود الأحفوري، يوفّر E-Fuel احتراقًا نظيفًا بانبعاثات أقل بكثير، دون التأثير على أداء المحرك أو عمره الافتراضي.

2. النقل الثقيل والطيران:

في القطاعات التي يصعب تحويلها للكهرباء، مثل الشاحنات والطائرات والسفن، يمثل الوقود الإلكتروني الحل المثالي.

ففي النقل البري الثقيل، يمكن للديزل الإلكتروني تقليل الانبعاثات دون المساس بالقوة أو المدى.

أما في الطيران، فإن الكيروسين الإلكتروني يُعد بديلاً واعدًا لوقود الطائرات التقليدي، مما يسمح لشركات الطيران بخفض بصمتها الكربونية بشكل ملموس.

3. التكامل مع البنية التحتية الحالية:

من مزايا هذا الوقود أنه يمكن توزيعه عبر نفس محطات الوقود الحالية، دون الحاجة إلى إنشاء شبكات جديدة أو أنظمة تخزين معقدة، مما يجعله خيارًا عمليًا وقابلاً للتطبيق على المدى القريب والمتوسط.

 

التحديات التي تواجه انتشار الوقود الإلكتروني:

رغم فوائده الكبيرة، لا يزال الوقود الإلكتروني يواجه عدة عقبات قبل أن يصبح متاحًا على نطاق واسع:

ارتفاع تكلفة الإنتاج:

إنتاج الـ E-Fuel يعتمد على عمليات كيميائية معقدة تتطلب طاقة متجددة مكلفة وتجهيزات عالية التقنية، ما يجعل سعر اللتر حاليًا أعلى بعدة أضعاف من الوقود الأحفوري.

الكفاءة المنخفضة:

تُقدَّر الكفاءة الإجمالية للوقود الإلكتروني بما بين 20% و30% فقط، مقارنةً بالسيارات الكهربائية التي تتجاوز كفاءتها 80%.

الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة:

لكي يكون هذا الوقود صديقًا للبيئة حقًا، يجب إنتاجه باستخدام طاقة نظيفة بالكامل، ما يتطلب استثمارات ضخمة في توليد الكهرباء الخضراء والبنية التحتية المرتبطة بها.

التحديات اللوجستية والتنظيمية:

ما زال الإطار القانوني والتنظيمي لاستخدام الوقود الإلكتروني في مراحله الأولى، كما أن الإنتاج التجاري لا يزال محدودًا جغرافيًا في بعض الدول الأوروبية واليابان.

مستقبل الوقود الإلكتروني:

على الرغم من التحديات، يتفق الخبراء على أن الوقود الإلكتروني سيكون عنصرًا محوريًا في التحول العالمي نحو النقل المستدام، خاصة في القطاعات التي يصعب كهربتها.

كما بدأت شركات كبرى مثل بورشه وتويوتا وإكسون موبيل بالاستثمار في مشاريع تجريبية لإنتاج هذا الوقود على نطاق تجاري، خصوصًا في أوروبا وأمريكا اللاتينية.

ومع انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة وتطور تقنيات الالتقاط الكربوني، من المتوقع أن يصبح الـ E-Fuel أكثر تنافسية خلال العقد القادم، ما قد يمهّد الطريق لاعتماده في السيارات التجارية والعادية على حد سواء.

 

Loading...