
الاقتصادي- يسعى المستشار الألماني وزعيم الحزب المسيحي الديمقراطي، فريدريش ميرز، إلى الدفع في الاتحاد الأوروبي صوب إدخال تعديلات على الموعد المقرر في عام 2035 لإنهاء تسجيل السيارات ذات محركات احتراق والتحول الكامل إلى السيارات الكهربائية. غير أنّ الائتلاف الحاكم في ألمانيا لم يتوصل بعد إلى خط مشترك، حيث يصرّ الاشتراكيون الديمقراطيون على الالتزام بتاريخ إنهاء إنتاج سيارات جديدة بمحركات احتراق اعتباراً من 2035، فيما أبدى رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي ووزير المالية الألماني لارس كلينغبايل أخيراً انفتاحاً على حلول تجمع بين التنقل الكهربائي وتقنيات الاحتراق.
كان الاتحاد الأوروبي قد قرّر في عام 2022 وقف تسجيل السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين أو الديزل ابتداءً من عام 2035، في إطار مساعيه لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من قطاع النقل. وأعرب كلينغبايل عن أمله في التوصل إلى موقف موحد داخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا بحلول ديسمبر/كانون الأول المقبل، بشأن إنهاء محركات الاحتراق. وقال رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي في تصريحات لصحيفة "راينيشه بوست" الألمانية الصادرة، اليوم السبت: "أريد أن نجد حلاً في وقت قريب للغاية"، موضحاً أنّ حزبه قدّم تنازلات واضحة سعياً منه إلى الحفاظ على الوظائف في قطاع صناعة السيارات"، وأضاف: "ينبغي أن يكون لدينا بحلول مطلع ديسمبر المقبل موقف موحّد بصفتنا ألمانيا في بروكسل".
وأكد كلينغبايل أنّ المستقبل للسيارات الكهربائية، مشدداً على أن ألمانيا تحتاج في طريقها إلى ذلك إلى مزيد من الخيارات التكنولوجية مثل مُوسِّعات المدى والسيارات الهجينة القابلة للشحن، لكنه شدد بالدرجة الأولى على ضرورة التوافق قائلاً: "يجب أن نظهر بصفتنا ألمانيا بشكل موحد في بروكسل"، مضيفاً أنه إذا حسّنت ألمانيا الأطر السياسية، فعلى شركات السيارات أن تقدم "التزاماً واضحاً تجاه ألمانيا بصفتها موقعاً للأعمال، وبتأمين فرص العمل في هذا البلد".
من جانبه، دعا وزير النقل الألماني باتريك شنيدر أيضاً للتوصل إلى اتفاق سريع، لكنه يصر على التراجع عن قرار حظر محركات الاحتراق في الاتحاد الأوروبي. وقال الوزير في تصريحات لصحيفة "نويه أوسنابروكر تسايتونغ" الألمانية: "الأوروبيون ينتظرون موقف ألمانيا. أعتقد أن الأغلبية ستتبعنا إذا أظهرنا مزيداً من المرونة". ورغم أن شنيدر يرى هو الآخر اتجاهاً واضحاً "نحو التنقل الكهربائي"، يعتبر تحول القطاع إلى السيارات الكهربائية بالكامل بحلول 2035 غير قابل للتنفيذ.
وقال: "لا يمكننا أن نتحمل الإصرار على إنهاء محركات الاحتراق في 2035 وربما نفقد بذلك أساسنا الاقتصادي"، مضيفاً أنه يرى من الخطأ حظر محركات الاحتراق. وقال إنّ "محركات الاحتراق سيظل لها مستقبل في العالم كله. نحن البلد الذي يمتلك التكنولوجيا المتقدمة، وسنقيد جميع كفاءاتنا إذا حظرنا الديزل والبنزين. يجب أن نكون منفتحين على جميع التقنيات". ويمثل قطاع السيارات ركناً أساسياً في الاقتصاد الألماني، إذ يشكّل نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي ويوفّر مئات آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة.
وأظهر استطلاع للرأي، في سبتمبر/ أيلول الماضي، أنّ غالبية الألمان يعارضون الحظر المزمع على تسجيل سيارات محركات الاحتراق الداخلي الجديدة في أوروبا اعتباراً من عام 2035. وبحسب الاستطلاع الذي أجراه معهد "يوغوف" لقياس مؤشرات الرأي بتكليف من وكالة الأنباء الألمانية "د ب أ"، فإنّ 44% من المشاركين يرغبون في أن تعارض الحكومة الألمانية حظر سيارات البنزين والديزل الجديدة، بينما أيّد 19% إرجاء موعد الحظر. في المقابل، أعرب 24% فقط من الألمان عن دعمهم لالتزام الحكومة بالموعد النهائي المقرّر في عام 2035.
وتوقفت المكافأة البيئية لمشتري السيارات الكهربائية "إعانة الشراء"، التي كانت تقدمها الحكومة الألمانية السابقة في نهاية عام 2023، والتي كانت مقدرة بنحو 6750 يورو، وتراجعت مبيعات السيارات الكهربائية في ألمانيا في عام 2024 إلى مستويات قياسية، بعدما انهار الطلب عليها مقابل عودته إلى سيارات محركات الاحتراق بشكل أكبر. وبيّنت تقارير اقتصادية أنه لم يُسجَّل سوى 380,600 سيارة كهربائية حديثة على مدار عام 2024، وهو ما يوازي وفق الهيئة الاتحادية لنقل السيارات انخفاضاً بأكثر من الربع، أي ما يقرب من 27.5% مقارنة بالعام السابق. وبشكل عام، سُجِّل 2.8 مليون سيارة جديدة في ألمانيا مقارنة بالعام الماضي، وهذا أقل بنسبة 1% عما كان عليه عام 2023.
وتشهد صناعة السيارات الأوروبية نحو التحوّل الكهربائي، وسط ضغوط تنظيمية وبيئية متزايدة تهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية بحلول نهاية العقد الحالي. وتحاول الشركة الألمانية تعزيز موقعها في سوق يتسم بالمنافسة الحادة وارتفاع تكاليف الإنتاج، خاصة بعد تراجع الحوافز الحكومية التي كانت تدعم مبيعات السيارات الكهربائية في كبرى الأسواق الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا.