عقوبات على إخفاء الأسعار: غرامة حتى 4000 دينار وحبس ثلاث سنوات || "السعر على الخاص" يضع الباعة تحت طائلة العقاب

الاقتصادي- باتت عبارة "السعر على الخاص" مشهداً يومياً في فضاء التسوّق عبر مواقع التواصل الاجتماعي في فلسطين. صور لمنتجات مع كل التفاصيل… إلا السعر، الذي يُدفع المستهلك لحشر نفسه في المراسلة الخاصة، وكأنه يطلب معلومة سرية لا يحق له معرفتها علناً.
الأسلوب الغامض تحول إلى “ثقافة بيع” تنتشر في آلاف الصفحات، ولم يعد مجرد ممارسة مزعجة؛ فوفق القانون الجديد لتنظيم التجارة الإلكترونية في فلسطين، أصبح مخالفة تستوجب غرامات كبيرة وقد تصل عقوبتها إلى السجن ثلاث سنوات.
وبينما يعتقد كثير من الباعة أن إخفاء السعر يمنحهم مساحة للمناورة أو جذب الزبون إلى المراسلة، يوضح القانون أن هذه الممارسة تُعد تضليلاً صريحاً للمستهلك، وتنتهك أبسط حقوقه في معرفة الثمن قبل اتخاذ قرار الشراء. ومن هنا يبدأ التغيير التشريعي الذي سيعيد تشكيل سوق التجارة الإلكترونية بالكامل.
يقول الخبير في التجارة الإلكترونية شعيب زاهدة، إن القرار بقانون رقم 21 لسنة 2025 الخاص بتنظيم التجارة الإلكترونية في فلسطين سيحدث تغييراً جوهرياً في آليات البيع عبر الإنترنت، خصوصاً بعد فرض عقوبات مشددة بحق من يخفي أسعار المنتجات أو يضع عبارة "السعر على الخاص".
وأضاف في حديث خاص لـ"الاقتصادي"، أن المادة 22 من القانون تعتبر هذا السلوك مخالفة صريحة للمادة 9 الخاصة بالإعلان الإلكتروني، وتمنح القاضي صلاحية فرض غرامة بين 500 و4000 دينار، إضافة إلى الحبس لمدة قد تصل إلى ثلاث سنوات، أو العقوبتين معاً.
تنظيم القطاع وحماية المستهلك
وأوضح زاهدة، أن القانون جاء بهدف حماية المستهلك وتحقيق العدالة الضريبية بين التجارة التقليدية والإلكترونية، إلى جانب تنظيم بيئة الريادة والمشاريع.
وأشار إلى أن غياب التنظيم سابقاً سمح بانتشار صفحات وباعة بأسماء وهمية يبيعون منتجات غير موثوقة، خصوصاً المواد الصحية مثل الكريمات وحبوب التنحيف والفيتامينات.
واعتبر أن إلزام البائع الإلكتروني بوجود هوية واضحة ومكان عمل ومعلومات تواصل يضمن للزبون معرفة الجهة التي يتعامل معها، بعكس البيع العشوائي الذي يشبه البائع الجوال الذي تراه اليوم ولا تجده غداً. وقال، إن القانون يرفع كذلك من جودة البضائع المتداولة عبر الإنترنت لأنه يجبر شركات التوصيل على التحقق من قانونية المنتجات، ومنع نقل البضائع الممنوعة أو غير المرخصة.
الإعلان الإلكتروني ومتطلبات الإفصاح
وبيّن زاهدة أن القانون يتضمن 28 مادة، من بينها مادة خاصة بالإعلان الإلكتروني، تُلزم المعلن بتوفير معلومات واضحة تشمل اسم المتجر ورقم التسجيل ومكان العمل، إضافة إلى تفاصيل المنتج وخصائصه وحالات الاستخدام الخاصة، وثمنه شاملاً الضرائب، وتكلفة التوصيل، وآلية الدفع سواء عند التسليم أو إلكترونياً.
وأكد أن هذه المادة تُعد من أهم عناصر القانون لأنها تمنح المستهلك رؤية كاملة حول المنتج قبل شرائه، بدل الوضع الحالي الذي يشتري فيه المواطن سلعة لا يراها ولا يعرف مصدرها.
حجم التجارة الإلكترونية وتحديات التطبيق
وكشف زاهدة أن تقديراته، استناداً إلى خبرة تمتد 17 عاماً ومعطيات من شركات التوصيل، تشير إلى تداول نحو 50 ألف طرد يومياً في السوق الإلكترونية، بقيمة مالية قد تصل إلى 12 مليون شيكل يومياً، مع كون 70% من الطرود متجهة إلى داخل أراضي الـ48 حيث القوة الشرائية أعلى.
لكنه في المقابل يشير إلى مشكلات جوهرية في الاعتراف بفواتير تمويل الإعلانات الإلكترونية، إذ يدفع التجار آلاف الدولارات شهرياً للإعلانات عبر المنصات الرقمية دون أن تعترف الجهات الضريبية بهذه المصاريف.
كما انتقد غياب العدالة في الرسوم التي تُفرض على التاجر الصغير والكبير بنفس المستوى، معتبراً أن ذلك يشكل عبئاً على المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر.
وأضاف أن القانون يفرض وجود موقع إلكتروني لكل تاجر، من دون تحديد طبيعة هذا الموقع أو درجته الفنية، وهو ما استدعى ملاحظات من المختصين لتمكين المشاريع الصغيرة من الاكتفاء بموقع بسيط منخفض التكلفة.
تضاربات قانونية وحاجة لتعديلات
وأشار زاهدة إلى وجود تضارب بين بعض مواد القانون، ومنها المادة 17 الخاصة بحماية البيانات الشخصية، التي تمنع مشاركة بيانات الزبائن لأي غرض، بينما تُلزم المادة 15 شركات التوصيل باستلام الطرود، ما يتطلب مشاركة البيانات نفسها لغايات تجارية.
وأكد أن هذه الإشكاليات تستوجب إعادة صياغة وتوضيحها في النظام الداخلي الذي لم يصدر بعد عن مجلس الوزراء. وبيّن أن القانون صدر في 27 تشرين الأول 2025، وسيدخل حيز التنفيذ في 27 كانون الثاني 2026، مع منح فترة “تصويب أوضاع” تمتد لستة أشهر، تتولى شركات التوصيل خلالها دوراً محورياً في التنفيذ عبر إلزامها بعدم نقل أي طرد غير مرفق بفواتير ضريبية ومن شركات مرخصة.