
الاقتصادي- تشهد أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية في السوق الفلسطيني تفاوتًا كبيرًا بين صيدلية وأخرى، رغم وجود تسعيرة رسمية تحددها وزارة الصحة، ما يعكس خللا واضحا في الرقابة وغياب سياسة موحدة للتسعير.
المستشار العام للشؤون الفنية والاقتصادية والتجارية لشركة سما لصناعة الأدوية د. أديب الصيفي، أوضح أن وزارة الصحة تعتمد على سياستين لتسعيرة الدواء، الأولى خاصة بالمنتجات المصنعة محليا، والثانية بالدواء المستورد، مشيرا إلى أن معظم الأصناف المماثلة تكون أسعارها متقاربة وفق ما تصدره وزارة الصحة وقسائم التسعيرة الدوائية، إلا أن فروقات طفيفة تحدث أحيانًا بناءً على أقدمية تسجيل الدواء، إذ قد يكون دواء مسجل قبل 10 سنوات سعره أعلى من دواء مشابه مسجل مؤخرًا.
وأشار في حديث خاص لـ"الاقتصادي"، إلى أن اختلاف الأسعار بين الصيدليات يعود أيضا إلى هامش الربح المسموح به للصيدلي، والذي يحدد قانون وزارة الصحة نسبته بحوالي 30% من سعر الدواء. لكنه لفت إلى أن بعض الصيدليات لا تلتزم بهذه التسعيرة، وقد تمنح المستهلك خصمًا من هامش الربح لتشجيعه على الشراء، ما يؤدي إلى فروقات بين صيدلية وأخرى، رغم أن هذا الأمر ممنوع قانونيا.
وأوضح الصيفي، أن جانبا آخر يسهم في التباين هو ما يسمى بــ"البونس"، وهو العروض الترويجية التي تمنحها الشركات للصيدليات، مثل شراء عدد معين من العلب مقابل الحصول على كمية إضافية مجانا، ما قد يرفع الربح الفعلي للصيدلي إلى أكثر من 50% في بعض الحالات، أي بما يتجاوز هامش الربح الرسمي. وأشار إلى أن هذه الممارسة شائعة في السوق الفلسطيني لكنها مخالفة لتعليمات وزارة الصحة، وقد تُستغل لتقديم خصومات متفاوتة للمستهلكين من صيدلية لأخرى.
وأكد، أن السوق الفلسطيني محدود ومتعدد الشركات التي تقدم نفس المستحضرات دون تباين كبير، ما يدفع بعض الشركات لمحاولة زيادة حصتها عبر تقديم عروض "بونس" كبيرة لصيدليات محددة، وهو ما يخلق فجوة سعرية إضافية ويخالف القانون.
ويتفق الصيدلاني نايف الرمحي، الذي يمتلك خبرة تزيد على 50 عاما في المجال، مع ما ذكره الصيفي، موضحا أن التفاوت في الأسعار بين الصيدليات يعود بشكل رئيسي إلى "البونس" الذي تقدمه شركات الأدوية لبعض الصيدليات، وهو ما يؤدي إلى اختلاف الأسعار على أرض الواقع بين صيدلية وأخرى.
وأضاف أن عبارة "سعر صيدلية"، التي كانت تُستخدم للإشارة إلى أن منتجا معينا باهظ الثمن، لم تعد تنطبق اليوم، حيث أن الأسعار في الصيدليات حاليا تتسم بالالتزام الجيد بالتسعيرة الرسمية التي تحددها وزارة الصحة، ولا يمكن التلاعب بها.
وأكد الرمحي، أن الوضع كان مختلفا في الماضي، عندما لم تكن هناك تسعيرة محددة، فكان التفاوت بين الصيدليات واضحا جدا، بينما أصبح اليوم أقل مع وجود آليات رسمية للتسعير.
وبالمحصلة، يضع هذا الواقع في ارتفاع أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية بشكل عام، عبئا إضافيا على المستهلك الفلسطيني ويزيد من تعقيد وصول المرضى إلى أدويتهم بأسعار عادلة.
يشار إلى صناعة الأدوية الفلسطينية تملك تاريخاً غنياً يعود إلى منتصف القرن التاسع عشر، وبدأ تطورها الحديث بعد حرب 1967 نتيجة إغلاق الاحتلال الإسرائيلي للحدود ومنع استيراد المنتجات الطبية من الشركات الأجنبية، ما أتاح لشركات التصنيع المحلية أن تنمو وتصبح لاعبا رئيسياً في السوق الوطني، مع تنوع منتجاتها وانتشارها في الأسواق الإقليمية والعالمية، مكتسبة اعترافاً بالابتكار والجودة.
وحسب اتحاد الصناعات الدوائية الفلسطينية، فإنه يبلغ عدد المصانع الدوائية الفلسطينية ستة مصانع في الضفة الغربية، بينها شركات دار الشفاء، بيرزيت، القدس، بيت جالا، سما، واليسون، وجميعها حاصلة على شهادة التصنيع الجيد الفلسطينية (GMP)، فيما حصل بعض منها أيضاً على شهادات التصنيع الجيد الأوروبية (EU GMP)، ومسجلة في أكثر من 30 دولة حول العالم وفق أعلى معايير الجودة.
أما في قطاع غزة، فهناك مصنعان رئيسيان هما شركة الشرق الأوسط والشركة العربية الألمانية، ويعمل في الصناعة الدوائية الفلسطينية بشكل مباشر حوالي 2000 موظف، فيما تصل شبكة العاملين في الصناعات والخدمات المساندة للصناعة الدوائية إلى نحو 18 ألف عامل، ما يجعلها أساساً لشبكة صناعية متكاملة في فلسطين.