خبير اقتصادي: صدمة وتحديات غير مسبوقة للاقتصاد الفلسطيني العام المقبل
12:40 مساءً 23 كانون الأول 2025

خبير اقتصادي: صدمة وتحديات غير مسبوقة للاقتصاد الفلسطيني العام المقبل

الاقتصادي – بعد عام 2025 الذي تعرض فيه الاقتصاد الفلسطيني والمالية العامة إلى أزمات غير مسبوقة، يواجه 2026 تحديات جديدة وسط قيود مستمرة على الحركة والنشاط الاقتصادي، وتشير التوقعات تشير إلى نمو محدود، لكن الخطر لا يزال قائماً، ما يجعل العام المقبل اختباراً حاسماً لقدرة الاقتصاد على الصمود والتعافي.

ويقول الخبير الاقتصادي والباحث في المالية العامة مؤيد عفانة، إن عام 2025 يُعد من أسوأ الأعوام التي مرّ بها الاقتصاد الفلسطيني والمالية العامة منذ تأسيس السلطة الوطنية عام 1994، في ظل ضربة اقتصادية ومالية غير مسبوقة انعكست على مختلف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وأدخلت الاقتصاد في حالة انكماش عميق.

وأوضح عفانة في حديث خاص لـ"الاقتصادي"، أن الاقتصاد الفلسطيني سجل تراجعا حادا خلال عام 2025 بنسبة تقارب 29%، وفق الإحصاءات الرسمية، ما يعكس حجم الضرر الذي أصاب القدرة الإنتاجية وسوق العمل، إلى جانب الارتفاع الكبير في معدلات البطالة والفقر.

وأضاف أن الأزمة لم تكن اقتصادية فقط، بل مالية بالدرجة الأولى، خاصة بعد قرار وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش احتجاز إيرادات المقاصة منذ أيار/مايو 2025، وهو ما أدى إلى فقدان المالية العامة نحو 68% من إيراداتها الشهرية، في وقت تراجعت فيه الإيرادات المحلية من حوالي 400 مليون شيكل شهريا إلى نحو 250 مليون شيكل فقط، نتيجة الانكماش الاقتصادي الواسع.

وأشار عفانة إلى أن نهاية عام 2025 جاءت في وضع اقتصادي ومالي بالغ الصعوبة، مؤكدا أن كافة التقارير الدولية، بما فيها تقارير الأونكتاد والبنك الدولي، تشير إلى أن الاقتصاد الفلسطيني تعرض لضربة غير مسبوقة، كان من أبرز تجلياتها تعطل سوق العمل، وارتفاع نسب الفقر، وتراجع النشاط الاقتصادي في معظم القطاعات.

ولفت إلى أن وزارة المالية تعاملت مع العام الماضي باعتباره عاما لإدارة الأزمة، وبذلت أقصى ما لديها من جهد للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار المالي، رغم محدودية الأدوات المتاحة وعدم رضى الموظفين عن إجراءات إدارة الرواتب.

وفيما يتعلق بآفاق عام 2026، أعرب عفانة عن عدم تفاؤله بالعام المقبل، معتبرا أن مسببات الأزمة لا تزال قائمة، وعلى رأسها الاحتلال الإسرائيلي واستمرار احتجاز أموال المقاصة، خاصة في ظل كون عام 2026 عامًا انتخابيا في إسرائيل، حيث غالبا ما يُستخدم الدم الفلسطيني ةخنق الاقتصاد الفلسطيني ورقة انتخابية إسرائيلية.

وبين عفانة، أن عدم وضوح المشهد في قطاع غزة واستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني يجعل الحديث عن انفراجة اقتصادية حقيقية أمرا سابقا لأوانه.

وأكد، أن عام 2026 لن يكون امتدادا لإدارة الأزمة فحسب، بل سيكون عاما مفصليا يتطلب الانتقال إلى اجتراح حلول غير اعتيادية، محذرا من أن استمرار العمل بالأدوات نفسها سيؤدي إلى تآكل إضافي في قدرة المالية العامة، وربما إلى انهيار أوسع في الخدمات الأساسية. ولفت إلى أن الحكومة استنفدت خلال النصف الثاني من عام 2025 معظم هوامش المناورة المتاحة، سواء من خلال التوجه للبنوك أو معالجة ملف صافي الإقراض مع عشرات الهيئات المحلية وشركات التوزيع، إضافة إلى تأمين دعم خارجي إضافي بنحو 200 مليون دولار، وهي أدوات يصعب تكرارها بالزخم ذاته في العام المقبل.

وشدد عفانة، على أن الحفاظ على انتظام الرواتب خلال عام 2026 سيبقى تحديا مركزيا، في ظل الحصار المالي القائم، مؤكدا أن الأولوية يجب أن تكون لضمان صرف الرواتب بنسبة مقبولة، بالتوازي مع إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام، بحيث تتركز على قطاعات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والأمن، ضمن الحد الأدنى المقبول لتسيير شؤون المواطنين.

وختم عفانة بالقول إن الخروج من الأزمة يتطلب العمل على ثلاثة مسارات متوازية، أولها الضغط السياسي والدبلوماسي والقانوني للإفراج عن أموال المقاصة المحتجزة، وثانيها مسار فني داخلي يقوم على تعزيز الإيرادات المحلية عبر دعم الإنتاج الوطني وتقليل الاعتماد على الواردات، لا سيما في قطاعات الصناعات الغذائية، والحجر، والملابس، والأحذية، وثالثها تجنيد دعم خارجي استثنائي وموجّه لقطاعات محددة، كالصحة والتعليم والزراعة، بدلا من الدعم العام للموازنة، معتبرا أن عام 2026 سيكون عاما حاسما قد يحدد ملامح الاستقرار أو الانهيار في الاقتصاد الفلسطيني.

يشار إلى أن تقرير مشترك صادر عن سلطة النقد والجهاز المركزي للإحصاء صدر قبل أيام، توقع أن يشهد الاقتصاد الفلسطيني في عام 2026 ارتفاعاً محدوداً يتراوح بين 4.1% و4.5%، مع استمرار التعافي التدريجي بعد الانكماش الحاد في 2024. ويستند هذا التوقع إلى سيناريو الأساس الذي يفترض بقاء الأوضاع الاقتصادية والسياسية الراهنة، بما في ذلك القيود المشددة على حركة الأفراد والبضائع، محدودية النشاط الاقتصادي في قطاع غزة، وتعطل جزء كبير من العمالة الفلسطينية عن الوصول إلى سوق العمل داخل إسرائيل، إضافة إلى الضغوط على الموازنة العامة وتراجع الإيرادات المحلية والمنح الخارجية.

ويرجع النمو المتوقع بشكل أساسي إلى تحسن محدود في الاستهلاك النهائي نتيجة استمرار تدفقات المساعدات الإنسانية والتحويلات الخاصة، مع مساهمة جزئية للإنفاق الاستثماري، دون أي تحسن جوهري في القطاعات الإنتاجية أو بيئة الأعمال. ويشير التقرير إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يظل معرضاً لمخاطر كبيرة وعدم يقين مرتفع، مع تأثيرات محتملة إيجابية أو سلبية وفق السيناريوهات المتفائلة والمتشائمة، في ظل بيئة سياسية وأمنية معقدة ونقص في مقومات الاستقرار والنمو المستدام.

Loading...