الإنترنت والدفع الإلكتروني في زمن الحرب: قصة صمود رقمي
1:21 مساءً 23 كانون الأول 2025

الإنترنت والدفع الإلكتروني في زمن الحرب: قصة صمود رقمي

خاص الاقتصادي - في زمن الحرب، لم تعد خدمات الاتصالات والإنترنت مجرد قطاع اقتصادي أو خدمة تجارية، بل تحولت إلى حاجة أساسية لتنظيم الحياة اليومية وضمان الحد الأدنى من الأمان المجتمعي. خلال العدوان على قطاع غزة وما رافقه من تداعيات قاسية في الضفة الغربية، برز دور شركة جوال بوصفه شريانا حيويا أبقى الفلسطينيين على تواصل في واحدة من أكثر المراحل قسوة على الإطلاق.

فقد أعاد التدمير الواسع الذي نفذه الاحتلال، والذي شمل مئات الأبراج السكنية وشبكات الكهرباء والاتصالات والبنية التحتية، قطاع غزة عقودا طويلة إلى الوراء، وفق ما وثقته تقارير ميدانية. هذا الواقع فرض تحديا غير مسبوق على شبكات الاتصالات التي وجدت نفسها تعمل في بيئة شبه منهارة، تعاني من انقطاع الكهرباء، وشح الوقود، والاستهداف المباشر، ومع ذلك ظل الاتصال متاحا ولو بحدوده الدنيا، ليشكل طوق نجاة لملايين المواطنين.

خلال الحرب، مكّنت خدمات الهاتف المحمول والإنترنت المواطنين من البقاء على تواصل مع عائلاتهم وأقاربهم للاطمئنان على مصيرهم، خصوصا في ظل النزوح والتهجير القسري. كما لعبت دورا مباشرا في إنقاذ الأرواح، سواء عبر الإبلاغ عن أماكن الخطر، أو التحذير من القصف والاشتباكات، أو طلب الإسعاف والمساعدة الطبية والإنسانية بشكل عاجل. 

وفي كثير من الحالات، كانت شبكات الاتصال الوسيلة الوحيدة للتنسيق بين أفراد المجتمع والجمعيات الخيرية والمؤسسات الإغاثية، وللوصول إلى التعليمات الصادرة عن الجهات الرسمية ومنظمات الطوارئ حول كيفية التصرف أثناء الأزمات.
ومع الحصار وصعوبة التنقل وانهيار جزء كبير من القنوات التقليدية للتواصل، تحوّل الإنترنت إلى نافذة الفلسطينيين الوحيدة على العالم الخارجي، وإلى أداة أساسية لمتابعة الأخبار، ونقل الصورة، وتنسيق الجهود الشعبية، وحتى استمرار بعض أشكال التعليم والعمل عن بُعد. 

كشف هذا الاعتماد المتزايد كشف بوضوح أن الاتصال في زمن الحرب لم يعد خدمة مكمّلة، بل ركيزة من ركائز الصمود الاجتماعي.

على المستوى الاقتصادي، عمّقت الحرب أزمة السيولة النقدية، وقيّدت حركة الأموال بين المناطق، ما دفع شريحة واسعة من المواطنين والتجار إلى الاعتماد على حلول الدفع الإلكتروني كبديل اضطراري.

 في هذا السياق، توسّع استخدام المحافظ الإلكترونية والتطبيقات البنكية، إلى جانب خدمات مثل Jawwal Pay وpalpay لإتمام عمليات البيع والشراء وتحويل الأموال، وهو ما أدى إلى زيادة ملحوظة في الطلب على خدمات الإنترنت، وربط بشكل مباشر بين استمرارية الاتصال واستمرارية الحياة الاقتصادية، ولو في حدها الأدنى.

واليوم يبرز تحدٍّ من نوع آخر لا يقل صعوبة عن تحديات الحرب نفسها، يتمثل في إعادة إعمار ما دمره العدوان وبناء شبكات الاتصالات من جديد. فإصلاح الأبراج المدمرة، وإعادة ربط المناطق المنكوبة، واستعادة استقرار الشبكات في بيئة ما زالت تعاني من نقص الموارد والقيود المفروضة والحصار، يشكّل اختبارا حقيقيا لقدرة قطاع الاتصالات الفلسطيني على النهوض من تحت الركام.

في هذا السياق، لا تبدو مهمة جوال في المرحلة المقبلة مقتصرة على استعادة الخدمة فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى المساهمة في إعادة بناء البنية الرقمية كجزء من عملية الإعمار الشامل، بما يضمن عودة الاتصال كحق أساسي، ودعامة للتعافي الاقتصادي والاجتماعي. فبعد الحرب، ينتقل التحدي من الصمود تحت القصف إلى الصمود في إعادة البناء، حيث تصبح الشبكات المعاد تأهيلها أساسا لمرحلة جديدة من الحياة الفلسطينية.

Loading...