
الاقتصادي- تشهد الصين اليوم واحدة من أعنف حروب أسعار السيارات في تاريخها الحديث، في معركة توصف بأنها كسر عظم بين أكثر من 100 علامة تجارية، تدفع فيها شركات كبرى لبيع مركباتها بخسائر مباشرة في سباق محموم على الحصة السوقية، وسط طلب أضعف من المتوقع وتراجع الدعم الحكومي.
لكن هذه المرة، لم تقف بكين موقف المتفرج.
رسالة حكومية حاسمة: لا بيع بالخسارة
في خطوة غير مسبوقة، أطلقت الحكومة الصينية حرباً مضادة على حرب الأسعار، موجهة رسالة واضحة لجميع المصنعين دون استثناء، لا بيع دون تكلفة الإنتاج، ولا خصومات تدفع الأسعار إلى الخسارة، ولا سباق انتحاري يهدد مستقبل الصناعة.
لم يكن الهدف حماية الشركات فحسب، بل إنقاذ صناعة السيارات الصينية من الانهيار الذاتي.
لماذا انفجرت حرب الأسعار في الصين؟
رغم أن الصين تُعد أكبر سوق سيارات في العالم، فإن عدة عوامل تضافرت لإشعال المنافسة السعرية العنيفة، أبرزها طاقة إنتاجية هائلة تفوق الطلب الفعلي، وتباطؤ نمو الطلب المحلي مقارنة بالتوقعات، والانسحاب التدريجي للدعم الحكومي الذي كان يخفف ضغط التكاليف، ودخول عشرات العلامات الجديدة، خاصة في قطاع السيارات الكهربائية.
النتيجة كانت مفارقة خطيرة؛ شركات تبيع أكثر ولكنها تخسر أكثر.
"BYD" نموذجاً.. الأسعار تهبط رغم الهيمنة
حتى الشركات العملاقة لم تكن بمنأى عن العاصفة. فبحسب بيانات السوق، تراجعت أسعار سيارات "BYD" في أكتوبر/تشرين الأول بنحو 7% مقارنة بمطلع العام، في محاولة للحفاظ على المبيعات وسط المنافسة الشرسة.
لكن التخفيضات المتتالية كشفت هشاشة النمو القائم على السعر وحده.
وصفت وكالة "بلومبرغ" ما يجري في سوق السيارات الصينية بمفهوم اقتصادي صيني شهير يُعرف بـ Involution، أي الانغماس التنافسي العقيم؛ وهو منافسة شرسة بلا أرباح، وتوسع بلا ابتكار حقيقي، وسباق بلا مستقبل مستدام.
ودفع كل ذلك السلطات للتدخل قبل أن تتحول الأزمة إلى نزيف طويل الأمد.
انعكاسات فورية على الأسواق
لم تمر القرارات الحكومية دون تكلفة قصيرة الأجل، إذ شهدت أسهم كبرى شركات السيارات تراجعات ملحوظة، من بينها "BYD" و"NIO" و"Xiaomi Auto"، في إشارة إلى قلق المستثمرين من تشديد الرقابة وتقييد سياسات التسعير.
التدخل الصيني لم يتوقف عند السوق المحلية، بل شمل فرض قيود على تصدير السيارات، ومنع التلاعب بما يُعرف بـ سيارات صفر كيلومتر المستخدمة للتحايل على الأسعار، وإنشاء أنظمة رقابة داخلية لمتابعة التسعير والمخاطر.
وتسعى بكين من خلال ذلك إلى حماية سمعة سياراتها عالمياً ومنع تصدير أزمة الأسعار إلى الخارج.
الأرخص لم يعد الأقوى
في الصين اليوم، يتغير منطق السوق. لم تعد القدرة على خفض السعر هي معيار القوة، بل الاستدامة، والانضباط، والقدرة على الابتكار.
وقد ترفع حرب الأسعار المبيعات مؤقتاً، لكنها تهدد مستقبل الصناعة بأكملها، ولهذا قررت بكين أن تضع حداً للسباق قبل فوات الأوان.