شيرين مطاوع .. كفيفة غزية قهرت العمى وتسلقت سلم التفوق
12:00 صباحاً 26 نيسان 2016

شيرين مطاوع .. كفيفة غزية قهرت العمى وتسلقت سلم التفوق

فقدت بصرها ، لكنها لم تفقد الأمل ، بل انطلقت كطائر الفينيق من رماد المعاناة، وكقبس من نور المعرفة يصارع لجة العتمة والظلام ، لتقتحم عالم التفوق بقوة ، وتبحر بقاربها تجاه النور ، متجاهلة كلمات المثبطين من عزيمتها.

 "شيرين مطاوع"  فتاة في شرخ الشباب لا تتجاوز 25 ربيعا ، فقدت بصرها خلال  العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008 ، توقفت عن الدراسة فترة من الزمن ، كأنها استراحة محارب ، لتعود إلى مقاعد الدراسة أقوى من ذي قبل ، فتابعت بكل عزيمة وإصرار ، لتلتحق بجامعة فلسطين وتتخصص في مجال الترجمة الإعلامية ، وتحقق نجاحا باهرا أذهل كل من رآها أو سمع عنها ، وتأمل  شيرين أن تحقق هدفها في فضح جرائم المحتل أمام المجتمع الدولي .

ذكرى مؤلمة

بكثير من الألم ، تسترجع شيرين ذكرى ما حدث معها منذ ثماني سنوات، حين كانت في سنتها الجامعية الأولى في جامعة الأزهر ، ونتيجة الرعب الشديد أصيبت بارتفاع في الصفائح الدموية ، وكان لزاما عليها أن تأخذ مادة "الهيبارين" التي تعمل على إنزال هذه الصفائح ، ولكن بسبب استمرار العدوان لم تتلق العلاج المناسب ، وتم علاجها في مستوصف قريب من منزلها ، حيث كان العلاج عبارة عن مسكنات والتي أثرت سلبا على حالتها ، وأدت إلى تجلط الدم في العصب البصري ما أدى إلى حالة عمى وفقدان للبصر.

 تقول شيرين " أصبت بالصداع (الشقيقة ) مدة أسبوعين كاملين ، ثم عقب أسبوع أصبح نظري يخف تدريجيا ، إلى أن وصل إلى العمى التام ".

وعن حالتها النفسية وقتذاك ، فقد وصفتها شيرين بالمدمرة جدا ، وأنها كانت تموت ببطء ، لدرجة أنها اعتبرت أن حياتها انتهت في سن 18 .

رحلة علاج

بعد انحسار رياح العدوان، قدمت الوفود العربية الطبية لقطاع غزة ، فتم عرض شيرين على أكثر من وفد (مصري ، بحريني ، سوداني ) وكلهم أجمعوا أنها بحاجة لعملية جراحية خارج قطاع غزة ، وكان يجب أن تحصل على تحويلة طبية في ذلك الوقت ، لكنها تأخرت مدة تسعة شهور، وتم تحويلها للقدس لكن هناك كانت الصدمة ، حيث تم إبلاغها أنه لم يعد هناك أمل لشفائها ، إذ أنه كان يجب إجراء العملية منذ تعرضها للإصابة ، لكنها لم تيأس وسافرت عدة مرات للقدس ومصر وكانت الإجابة واحدة ...لا يوجد أمل !!

بصيص أمل

تقول شيرين " لم أفقد الأمل ، فأرسلت أوراقي لطبيب في ألمانيا ، فأخبرنا أن هناك عينا فيها ضمور شديد ، والأخرى فيها ضمور جزئي ، و هي التي يمكن إجراء عملية لها إما في ألمانيا أو تركيا ، لكن بتكلفة باهظة جدا ، إلا إذا تم الحصول على تحويلة طبية فسوف تكون التكلفة أقل، فتوجهت إلى الجهات المختصة، وعلمت أنه لا توجد تحويلات طبية لدول أوروبية ، " وأضافت بأسى : "أعيش حاليا على أمل أن يتحسن الوضع المالي لأهلي، كي أتمكن من السفر لألمانيا وإجراء العملية.

انقطاع ثم عودة قوية

أما بالنسبة لدراستها ، فقد انقطعت شيرين عن الدراسة مدة أربع سنوات نظرا لحالتها النفسية المدمرة ، وعدم استطاعتها التعامل مع الناس المحيطين بها ، وايضا كانت هذه الفترة عبارة عن رحلة علاج من وإلى القدس ومصر ، وحاولت في هذه الفترة إعادة بناء شخصيتها ، فكانت بمجرد خروجها من المنزل تلاحقها نظرات الفضول وعبارات مدمرة ، فتعود أدراجها للمنزل وتبقى حبيسة به .

بعد هذه المدة أيقنت شيرين أن هناك أملا في علاجها ، فقررت تغيير مجرى حياتها ، وكلها أمل ان تحظى بوظيفة تمكنها من السفر والعلاج ، فقامت بالتسجيل في جامعة فلسطين ، لأنها لم تستطع العودة لجامعة الأزهر نتيجة لسببين : أحدهما أن إخوتها يدرسون في جامعة فلسطين ، فكان بإمكانها الحضور للجامعة والعودة معهم ، أما الآخر هو أن جامعة الأزهر شهدتها وهي مبصرة ، فكان يصعب عليها العودة إليها وهي كفيفة ، فقررت التسجيل بجامعة لا يعرفها فيها أحد .

تعامل الاهل

تضيف شيرين بكثير من السعادة " بعد فضل الله عز وجل فإن اهلي هم من وقفوا بجانبي وساندوني ، ووجدت الدعم الدائم لأصل إلى ما انا عليه الآن ، ففي فترة علاجي كان وضعي المادي سيئا جدا لكن اهلي قاموا بالاستدانة من المعارف لتوفير أموال العلاج ، اما على صعيد الدراسة ، فنظرا لأنني اصبحت كفيفة في سن كبيرة ، لم أتعلم لغة برايل ، فكان اهلي هم الوسيلة الوحيدة كي ادرس وأتفوق ، فقد كانوا يقسمون الوقت فيما بينهم ليقوموا بتلقيني الدروس والمواد ، فكل ما أنا فيه من تفوق يرجع لفضل الله ثم أهلي ودعمهم لي .

تطلق شيرين العنان لمخيلتها ، وترسم لنفسها طموحا وأحلاما ترغب بتحقيقها ، فكل ما تحلم به هو إنهاء تعليمها والحصول على وظيفة تمكنها من العلاج ، فكل ما تفعله فقط لعلمها أن هناك املا لو كان بسيطا في علاجها ، ايضا تتمنى شيرين ان تصبح صحفية مشهورة في يوم من الأيام ، فهي شغوفة جدا بمجال الصحافة ، وقد تخطت عقبة التعليم وهي كفيفة ، فكيف لو كانت مبصرة ، مؤكد انها ستتفتح امامها مجالات أوسع .

هوايات ومواهب

تستعيد شيرين ذكرى المواهب العديدة التي كانت تمتلكها , لكن على حد وصفها فإنها اندثرت منذ ان اصبحت كفيفة ، فقد كانت موهبتها الأولى القراءة ، فلطالما كانت شغوفة بقراءة كتب الادب والشعر الجاهلي ، وأيضا تهوى الرسم وتبدع في تنسيق الألوان بشكل رائع ، هذا بالإضافة لحبها الشديد للعزف على البيانو ، لكن ومنذ أن أصبحت كفيفة ابتعدت عن كل هذا ، إلا أنها أصبحت تقرأ الكتب إلكترونيا ، فهي تمتلك على هاتفها برنامجا ناطقا ، تستطيع من خلاله تصفح الإنترنت وقراءة الكتب الإلكترونية ، لكن الشيء الذي تفتقده الرسم والألوان .

من جهتها أكدت اختها "ياسمين" أن مشاعرهم لا توصف حين علموا بأن شيرين اصبحت كفيفة ، فلم تكن وحدها المنهارة ، فكل من بالمنزل كان يشعر بالأسف والحزن عليها ، ولم يستطيعوا تقبل الأمر بسهولة ، فقد كانت شيرين تذبل امامهم ولا يستطيعون فعل شيء لها ، وتصف حالة شيرين وقتها " كانت طيلة اليوم حبيسة غرفتها تبكي بشدة ولم يكن باستطاعتنا تهدئتها " .

وفي المنزل يحرص الجميع علبها ، ولا يتركونها وحدها ، فكل خطواتها مراقبة ، وتتم مساعدتها في كل شيء تريده ، فكلهم يخافون عليها جدا .

وتضيف ياسمين بسعادة ، " لم نشعر بالملل إطلاقا من جراء مساعدتها ، فقد كانت شيرين دوما معطاءة جدا ، ولم يكن يمر عليها يوم دوم مساعدة أحد سواء داخل المنزل أو خارجه ، ولم نعتد على جلوسها في مكان واحد لأكثر من خمس دقائق "، وختمت ياسمين حديثها بأمل كبير أن تستعيد شقيقتها بصرها يوما ما .
 

الحياة الجديدة

Loading...