الاقتصادي-وفاء الحج علي- إن كنت من مواليد التسعينيات (أو أكبر)، فلا بد من أنك لاحظت التغيّر الدراماتيكي الذي طرأ على حياتنا خلال السنوات العشر الماضية... فهل يوجد في أيامنا هذه ما هو أكثر متعة من سماعك كاسيت (شريط موسيقي) لمغنيك المفضل على جهاز الراديو؟ وهل هناك فرحة تضاهي تلك التي شعرت بها عندما حصلت على أول جهاز نينتندو؟ وهل هناك ما هو أكثر شاعرية من الورق المزخرف والمعطر الذي اعتدنا كتابة رسائلنا لأهلنا وأحبائنا عليه؟
هذه الأمور الكلاسيكية اختفت مع التطور التكنولوجي المذهل الذي عاصرناه، ومما لا شك فيه هو أننا أصبحنا أناس عمليين، وباردين، تخلينا عن الكثير من المشاعر الجميلة البسيطة التي كانت ترافقنا...
لكننا لم تكن رومنسيتنا الضحية الوحيدة لهذا التغير، بل قضينا به على كثير من المهن التي كانت سابقًا مزدهرة وبشكل كبير، منها:
بيع الأشرطة الموسيقية (الكاسيت)
أحمد أبو سارة، كان يملك محلاً تجاريًا صغيرًا في إحدى زوايا خان التجار في نابلس، يعرض فيه كل الأشرطة الموسيقية الحديثة آنذاك، حيث كانت الموسيقى لم تعرف بعد نانسي ولا هيفاء ولا "المعلم"، وكان الطرب يقتصر على نجوى كرم، ومصطفى قمر، ومحمد عبد الوهاب، وفيروز، وكاظم، وغيرهم ممن اعتدنا سماعهم أيام التسعينات.
يقول أبو سارة: "كنت أفتح محلي كل صباح فخورًا بأنني جمعت الكثير من أصالة بلادنا وفنّه في زاوية صغيرة عتيقة، وكان الشبان يتوافدون إلى متجري بالعشرات ليشتروا الكاسيتات، التي كانت أيامها الطريقة الوحيدة لكي نطرب على أصوات من نحب".
ويتابع: "بعد ظهور الأقراص المدمجة (CD) حاولت أن أبقي متجري صامدًا، وصرت أتاجر بالـ"سيديهات"، لكنني لم أتمكن من مواكبة مرحلة ما بعد "السيديهات"، فمضى الوقت سريعًا وظهرت تقنيات غريبة ومتتابعة، وأنا بطبعي رجل كلاسيكي، لذا اضطررت لإغلاق متجري والبحث عن عمل في إسرائيل لإعالة أسرتي".
التصوير الفوتوغرافي الكلاسيكي
أتذكرون عندما كنا نرتدي أفضل ثيابنا، ونذهب مع العائلة إلى الاستوديو لنتصور في أيام العيد، وننتظر بحماس لأيام قبل أن يتسنى لنا رؤية صورنا؟
رماح عبد المعطي، مصور في إحدى قرى محافظة نابلس، كانت أول من فتح استوديو فوتوغرافي في القرية، وكان الناس يلجئون لها لتؤرخ الذكريات الجميلة والأيام التي لا يريدون نسيانها، حسب ما تقول.
وتضيف عبد المعطي: "لست أتكلم عن الصور الرسمية لتي تؤخذ لجوزات السفر أو الهوية، بل أقصد اللقطات ذات الطابع الشخصي العاطفي، فكانت للصور قيمة كبيرة آنذاك، وكنت أشعر مع كل صورة أسلمها بأنني أساهم في زرع بسمة وتخليد ذكرى جميلة لن تعود... لكن لا داعي اليوم للانتظار، فكاميرتك ومصورك معك أينما ذهبت، ويا له من شعور مرير عندما أفكر بأنني استُبدلت بعصا السيلفي!"
السايبر كافي (مقهى الإنترنت)
مع بدايات ظهور الانترنت في فلسطين، أصبحت مقاهي الإنترنت رائجة، وباتت تشكل مهنة مثمرة وعصرية لا تحتاج إلى مجهود كبير، وكان إقبال الشباب عليها ملحوظ حتى ظهر العملاق الذي أكل الأخضر واليابس... فمع دخول الشبكة العنكبوتية إلى كل بيت فلسطيني، نلحظ أن هذه المتاجر فقدت بريقها بل وباتت تحتضر وتغلق واحدة تلو الأخرى، بعد أن باتت عاقرة لا تجني أي ربح يذكر.
يقول عماد مطر، الذي درس علم الحاسوب، وافتتح مقهى إنترنت لاستقبال مستخدمي الشبكة، ولبيع مستلزمات الحواسب والإنترنت وأجهزة النينتندو: "كان العمل مربحًا جدًا في بدايات وأواسط الـ2000، لكن بعد أن انتشر الإنترنت في معظم المدن والقرى الفلسطينية لم يعد الشبان بحاجة للمجيء إلى متجري، لذا تخلصت من الحواسب التي كنت وضعتها للاستخدام، واستبدلتها بأخرى جديدة للتجارة بها".
ويتابع مطر: "أذكر أن شباب القرية كانوا يدفعون 3 شيكل مقابل الساعة، ويتجمهرون حول جهاز حاسوب واحد ليشاهدوا المصارعة أو لينشئوا بريدًا إلكترونيًا خاصًا بهم... لو أن أحد أخبرهم آنذاك أن بعد سنوات قليلة من ذلك، سيقتني كل واحد منهم جهاز حاسوب خاص به، لضحكوا حتى البكاء!"