
رام الله-الاقتصادي-وفاء الحج علي- "في أيامنا تقبع السلطة المطلقة في يدي العالم الافتراضي، فالغضب الشعبي في الشارع، يمكن قمعه بخراطيم المياه، أو بالغاز المسيّل للدموع أو حتى بالسجن أو الرصاص، لكن الغضب الافتراضي الذي يحشد الناس ويجمعهم على مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن لأي سلطة أو حكومة أن تردعه أو توقفه كونه سريعا وغير ملموس". هكذا يلخص أستاذ التكنولوجيا في إحدى مدارس محافظة نابلس أ. عماد مطر تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على السيناريو السياسي المعاصر في فلسطين.
مواقع التواصل الاجتماعي جمّعت ما فرقته السياسة
ويتابع مطر: "سأعطي مثالاً على قوة العالم الافتراضي، فأمور لا تعدّ ولا تحصى فرقت صفوف الفلسطينيين خلال السنوات العشر الماضية، إلى أن جاء الإنترنت الذي لمّ شمل الفتحاوي والحمساوي الذي فصلتهم الحدود الاحتلالية والانقسام في نافذة وهمية واحدة، وحصلوا على حقهم في التحاور والتفاهم بعيدًا عن المناورات السياسية التي رسمتهما أعداء لبعضهما بعضًا، وهكذا صار الفلسطيني قادرًا على أن يقرر بنفسه من هو عدوّه ومن ليس كذلك".
ويفسر مطر هذه القوة الكبيرة لمواقع التواصل الاجتماعي كالآتي: "غياب حرّاس البوابات الإعلامية، وعدم قدرة الجهات السياسية المعنية على ضبط المعلومات التي تتناقل عبر هذه الوسائل كشف الكثير من الأمور التي كانت بالعادة تصلنا عبر الجهات الرسمية بوجهات نظر معينة تحتم علينا ما يجب أن نؤمن به، ففي السابق لم يكن بمقدورنا تمييز الحقيقة من الوهم السياسي، لذا أعتقد ان الانتفاضة الثالثة في حال اندلعت، فستكون إلكترونية وستشكل حربًا معلوماتية ستستهدف الحكومة قبل الاحتلال، فالشعب أجمع على "فيسبووك" و"تويتر" أنه سئم من عدم قدرته على إقرار مصيره".

الكلمة الأولى لـ"فيسبووك" و"تويتر" و"يوتيوب"
من جانبه، يوضح مدير مركز أبحاث المعلوماتية التابع للجامعة العربية الأمريكية في جنين الدكتور خالد ربايعة أن هناك تأثيرا كبيرا لمواقع التواصل الاجتماعي على مجريات الأحداث وطريقة صياغتها وعرضها.
ويبين ربايعة أن هذا التأثير يمكن إجماله كالآتي: "العالم الافتراضي صار مرادفًا للبيئة التي تعيش بها الأجيال الشابة أغلب وقتها، إذا ما قورنت بالعالم الواقعي، وهذا ما يمد مواقع التواصل الاجتماعي بقوتها".
ويوضح: "قيادة الجيل الشاب للأحداث هي بمثابة تمرد على الوضع القائم، والعملية السياسية المتهالكة، والانقسام الداخلي، وهذا التمرد خلق من قناعة هذا الجيل بأن قيادات التنظيمات والسلطة غير قادرة على قيادة المرحلة، لذا قرر الشباب أن يحركوا الأحداث بأنفسهم، فاتخذوا من مواقع التواصل قنوات إعلامية وإخبارية يوثقون عبرها ما يحدث في الشارع دون إستراتيجيات القنوات الرسمية وتوجهاتها وأجنداتها الخاصة، وهذا ينطبق على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي".
كيف استحوذت مواقع التواصل على السلطة؟
يوضح ربايعة أنه في هذه الهبة الفلسطينية "تقدمت مواقع التواصل الاجتماعي على وسائل الإعلام التقليدية في نقل الأخبار، وتعززت ظاهرة المواطن الصحفي، فأغلب الشباب مجهزون بهواتف ذكية تمكنهم من التقاط الصور وتصوير الأحداث لحظة وقوعها ومن ثم رفعها على الانترنت كما هي دون رقابة أو حذف أو تعديل، ولهذا الأمر تأثير كبير في اشتعال الأحداث واستمرارها".
ويتابع: "أعتقد أن قدرة الشباب على تصوير الأحداث خاصة في القدس والأقصى ورفعها على شبكات التواصل وتراكمها أدى إلى الانفجار الحالي وليس التحريض من قبل التنظيمات التقليدية".
ويوضح: "ما يميز هذه الهبة الجماهيرية عن سابقاتها هو العمل الفردي الموثق على مواقع التواصل الاجتماعي، فأغلب الشباب الذين قاموا بالعمليات تركوا رسائلهم الخاصة على حساباتهم على "فيسبوك"، وهذه الرسائل انتشرت كالنار في الهشيم وشجعت غيرهم من الشباب وزودتهم بمعلومات حول كيف الشروع بالعمليات الاستشهادية الفردية التي ليست بحاجة لدعم من أي تنظيم سياسي، مثال ذلك مقولة "الانتفاضة انطلقت"، وتم اقتباسها مما كتبه الشهيد مهند حلبي على صفحته الشخصية".

إسرائيل تراقب إلكترونيًا وتترقب
ويقول ربايعة أن "الساسة الإسرائيليين لا يستهينون بالحرب الإلكترونية التي يشنها الفلسطينيون الشباب المسلحين بهواتفهم الذكية وحواسيبهم ووطنيتهم، فعبر الكثير منهم عن قلقهم من التأثير الكبير لتلك المواقع على تغذية الأحداث وتوجيهها، حتى تم تشكيل غرفة عمليات خاصة بمراقبة مشاركات الشباب على وسائل التواصل والتجسس عليها".
ويضيف مطر، أستاذ مادة التكنولوجيا في إحدى مدارس محافظة نابلس أنه لعل أكثر ما يقلق الجانب الإسرائيلي هو أن "الوطنية التي تبثها وسائل التواصل الاجتماعية تعدّ معدية وشفافة أكثر من تلك النابعة من المواقف السياسية للتنظيمات، لأنها لا تخضع لقيود الجهات الرسمية".

الإشاعة جزء من الحرب ولا حلول نهائية لردعها
ولأن الشائعات جزء من الحروب كافة، فلن تخلو الحرب الإلكترونية منها، ويبين ربايعة أنه للأسف "ليس هناك حلّ سحري لإيقاف هذه الظاهرة، إلا أنه يمكن التخفيف من وطئتها، من خلال التحلّي بوعي عند التعاطي مع الأخبار التي تصلنا، والتي تهدف في كثير من الأحيان إلى خلق البلبة ونشر الرعب وإسقاط الشباب الفلسطيني".
ويتابع: "في خضم التطورات الهائلة التي تشهدها تقنيات المعلومات، ليس أسهل من تسريب الأخبار الكاذبة أو فبركة مقاطع الفيديو التي تسيء للمقاومة، ولسوء الحظ فإن الجانب الآخر يتفوق علينا في كل مجالات التقنية، لديهم الخبرات والإمكانات التي تمكنهم من دس الإشاعات المعادية، والأخطر أنه لا يوجد حل تقني لهذه المعضلة".
ويوضح: "إدارة موقع فيسبوك تبذل جهودا مضنيه لمنع انتحال الشخصيات على موقعها، فمثلاً ميزت الحسابات الحقيقة من الوهمية عبر وضع إشارة "صح" جانب اسم كل حساب حقيقي".
ودعا ربايعة إلى الالتفات إلى الهندسة الاجتماعية التي تمارسها أجهزة المخابرات، من خلال توجيهها أسئلة لشخص معين من حسابات صديقة وهمية، إضافة إلى ضرورة الحذر من "فلترة المعلومات"، فبإمكان أجهزة المخابرات اعتراض كل الرسائل التي يتم تداولها بين الشباب من عمر أو جامعة أو بلد معينة، وتعرضها على أجهزة تصفيها وتستخرج منها ما يفيدهم من معلومات.