رام الله- الاقتصادي- عبير إسماعيل- ما زال الجدل قائما بين الفلسطينيين عامة والمختصين الاقتصاديين خاصة، حول النتائج والآثار التي ترتبت على موجة الغلاء الاقتصادي التي اجتاحت الأراضي الفلسطينية منذ عدة

سنوات، والتي يطلق عليها اسم "الفقاعة الاقتصادية".
هذه الفقاعة التي كان لها الأثر الأبرز على سوق العقار الفلسطيني وذلك بسبب الاختلال بين سوق العرض والطلب، الأمر الذي نتج عنه تضاعف سعر العقار، من شقق سكنية ومحلات تجارية، لتصل بحسب دراسة لمعهد الأبحاث والسياسات الاقتصادية ( ماس)، إلى سبعة أضعاف الدخل السنوي للفرد.
ومن الأمور الاخرى المهمة والتي تأثرت بشكل كبير ومباشر بسبب "الفقاعة الاقتصادية"، هي أسعار عمليات إخلاء المحلات التجارية والعقارات، أو ما يعرف بـ"خلو الرجل" حيث تضاعف قيمة عمليات خلو المستاجر من العقار ليصل في بعض الأحيان إلى ملايين الشواقل.
"بيت درج" بمليون شيقل
وخلال تجوالنا في مدينة رام الله، قمنا بطرح عدة أسئلة على بعض اصحاب المحلات التجارية المتواجدة في اجزاء مختلفة من المدينة، حول قيمة خلو هذه المحلات، من بين هذه المحلات، محل صغير يقع في بيت درج إحدى العمارات وسط رام الله، حيث يبيع صاحبه الشالات والاكسسوارات والحقائب النسائية.
وعند سؤالنا صاحب المحل عن قيمة "خلو الرجل" لمحله الصغيرة الذي لا تتجاوز مساحته الـ10 أمتار، قال: "عرض علي خلو بداية العام الجاري بحوالي 360 ألف دينار أردني، وهو أعلى مبلغ يعرض علي حتى الآن".
وأضاف صاحب المحل الذي رفض الكشف عن اسمه لـ"القدس الاقتصادي": "لا أنكر بأن قيمة الخلو تضاعف بشكل كبير، ففي عام 2002 عرض علي مبلغ 70 ألف دينار مقابل خلو المحل لكني رفضت، وأحمد الله انني فعلت ذلك، الآن عرض علي المبلغ مضاعفا أربع مرات تقريباً، وأنا متأكد بأن هذا السعر سيتضاعف أكثر وأكثر خلال الأعوام المقبلة".
وليس بعيداً عن هذا المحل الصغير، هناك محل يقع على دوار المنارة، ويبلغ مساحته ـ150 متراً فقط ويطلب صاحبه خلواً بمبلغ مليون دولار أمريكي، أي ما يعادل تقريباً أربعة ملايين شيقل وذلك عبر إعلان معلق على واجهة المحل، مع العلم بأن هذا المبلغ كفيل بشراء منزل فاخر أو منزلين في أغلى مدن العالم مثل نيويورك وجنيف.
خلو الرجل: عرف عثماني غير مقنن
ويعود تاريخ خلو العقارات أو ما يعرف حالياً بـ"خلو الرجل"، إلى العهد العثماني، والذي كان وقتها عرفاً بين الناس، والعرف بحسب مجلة الأحكام العرفية العثمانية أمراً قانونياً حيث هناك نص واضح بذلك فيها يقول، "المعروف عرفا كالمشروط شرطا".
خلو الرجل: مبلغ مدفوع مسبقاً من المستأجر
ولفهم أكثر ما هو "خلو الرجل" للعقارات، يقول المحامي والمختص بالاستشارات والقضايا المدنية، محمد زيد، إن الخلو أمر غير منصوص عليه بالقانون، لكن متعارف عليه بالعرف التجاري، وهو مبلغ من المال يدفعه المستأجر للمالك قبل أن يستأجر المحل، وذلك حتى يضمن عدم بقائه في العقار دون ان يتعرض لعملية طرد بأي وقت.
ويضيف المحامي زيد في حديث لـ"القدس الاقتصادي: "عندما يدفع المستأجر مبلغاً مالياً يمثل قيمة الخلو مسبقاً فهو أشبه بعملية شراء المحل، كما يضمن له دفع إيجار قليل، وعندما يرغب المستأجر ترك العقار أو إخلائه، فإنه يأخذ المبلغ الذي وضعه بالبداية، أي عملياً هو يسترجع ماله".
ومن الامتيازات التي يحصل عليها المستأجر دافع "الخلو" مقدماً، يشير المحامي محمد زيد إلى أنه، يستطيع تأجير محله لشخص آخر بضمان الخلو الذي دفعه، تماماً مثلما يفعل المالك الأساسي.
قيمة "خلو الرجل" ترتفع مع السنين
وبحسب قانون المالكين والمستأجرين الأردني، ففي حالة رغب المالك استرجاع عقاره وإخلاءه من المستأجر، فيتم الاتفاق على نسبة معينة من قيمة الخلو، وهي تختلف عن المبلغ الأساسي الذي دفعه المستأجر، وتكون هذه النسبة ما بين الربع والخمس من المبلغ الأساسي.
وفيما يتعلق بالأسعار الخيالية التي تشهدها حركة "خلو الرجل" في المدن الفلسطينية، يقول المحامي زيد: "تلعب عوامل كثيرة دورا في ذلك، فعلى سبيل المثال، فإن المنطقة المقام عليها العقار لها دور في ذلك، إضافة إلى سعر الأرض المقام عليها العقار، فعلى سبيل المثال قد نجد أن هناك محلا لا يتعدى المترين وسط رام الله يصل مبلغ خلوه إلى ـ400 ألف دولار أمريكي، وذلك بحكم أن رام الله هي العاصمة الاقتصادية كذلك أسعار الأراضي فيها تقدر بملايين الدولارات".
الأسباب السبعة للإخلاء دون تعويض مالي
إضافة للعوامل السابقة، يشير المحامي زيد، إلى أنه إذا رغب المالك أن يخلي المستأجر من العقار لسبب معين منصوص عليه قانونياً، فإن سعر "خلو الرجل" يكون منطقيا. ويضيف: "بحسب قانون المالكين والمستأجرين الأردني لعام 1953 والمطبق في فلسطين، هناك سبع عوامل يحق للمالك إخلاء المستأجر من العقار دون دفع "خلو للرجل" منها، عدم دفع الإيجار، وإلحاق الضرر بالعقار، كذلك استعماله لأغراض غير شرعية، وإذا أجر العقار دون موافقة المالك، كذلك إذا كان المستأجر لا يشغل العقار نفسه أو اذا رغب الأخير في إجراء تغيير جذري وأساسي في العقار دون موافقة المالك". وبالتالي فإذا رغب المالك الأساسي استرجاع عقاره دون وجود سبب من الأسباب السابقة، فعليه دفع مبلغ من المال للمستأجر حتى لا يلحق الضرر فيه.
شهرة المحل تضاعف قيمة خلو الرجل
وبشكل عام، فإن موضوع "خلو الرجل" أمر متعارف عليه اقتصادياً في معظم دول العالم خاصة التي تتمتع باقتصاد نشط، بعضها وضع قوانين لهذا الشأن والبعض الآخر، مثل فلسطين، منتشر فيها كعرف.
ولا يلعب الغلاء الاقتصادي او مكان العقار دوراً في زيادة سعر الخلو فحسب، بل هناك عوامل أخرى كما هو متعارف عليه دولياً.
ففي هذا الشأن يقول المحلل الاقتصادي، عمر شعبان، إن من أهم هذه العوامل هي شهرة المحل. ويضيف: "في العديد من الدول لا يطلق على دفع مبلغ من المال مقابل إخلاء المحل بـ"خلو الرجل" بل يطلقون عليه "شهرة المحل"، أي أن المالك أو الجهة التي تريد استرداد العقار من المستأجر، تستفيد من اسمه وشهرته التي اكتسبها طوال السنوات، فعلى سبيل المثال، اذا رغب المالك الأساسي أو أي جهة شراء محل ركب، وهو من أشهر المحلات في رام الله، فإن الأمر سيكلفه مبلغاً مالياً كبيراً، فهو لن يتملك عقارا وسط مدينة رام الله فحسب، بل شهرة المحل ممتدة منذ عقود، إضافة لزبائنه وعلاقات التي بناها مع المواطنين والتجار طوال الاعوام السابقة".
السبب الآخر في ارتفاع قيمة "خلو الرجل"، يبين المحلل شعبان، أنه قانون الإيجارات المعمول فيه بالأراضي الفلسطينية وهو أردني وقديم جداً ، وبالتالي فهو غير خاضع للسوق الحالي ويندرج تحت السوق السوداء، بمعنى انه لا يعالج التغييرات الاقتصادية الحاصلة على السوق الفلسطيني.
مبالغ تفوق الأرباح
وعلى الرغم من أن جميع الأسباب التي سردها المحللون والاستشاريون في هذا المجال تبدو منطقية، إلا ان هناك أمر بحاجة لتفسير اكثر، فمن غير المعقول أن يطلب المستأجر "خلواً للرجل" بقيمة ملايين الشواقل مع العلم بأن محله التجاري الصغير لا يجني هذا المبلغ حتى وإن بقي يعمل لمدة عقود.
وفي هذا الشأن يقول المحلل الاقتصادي عمر شبعان: "هذا الكلام صحيح جداً، لن يجني أي محل تجاري صغير أو عقار هذه المبالغ المالية الكبيرة ولو تم تشغيلها 50 سنة، لكن ولأنه لا يوجد قانون فلسطيني للمستأجرين والمالكين، فإن كل شيء يخضع لما هو موجود في السوق، وقد يصل حد الابتزاز، فعلى سبيل المثال، هناك محل تجاري في رام الله مشهور جداً، يطلب صاحبه خلواً بقيمة مليون دولار امريكي او أقل بقليل، والسبب في ذلك لا يتعلق باهمية هذا المتجر الصغير إضافة إلى انه لا يملك شهرة واسعة، لكن السبب في ذلك لأنه يعلم بأن مكان محله ستشيد عمارة تجارية كبيرة سيجني من ورائها المالك الأساسي أرباحاً ماليةً كبيرةً، وهو بالتالي يقدر ذلك جيداً ويطلب هذا المبلغ الكبير".
مشروع قانون لم ير النور
وفي ظل الارتفاع الكبير وغير المنطقي للمبالغ المالية التي تدفع كـ"خلو للرجل" في المدن الفلسطينية، فقد تم صياغة مسودة قانون فلسطيني تحت اسم "خلو الانتفاع".
وأهم بنودة، هي المادة "714" والذي يُعَرف خلو الانتفاع بأنه: "عقد يؤجر بمقتضاه الوقف عيناً مقابل قدر من المال يدفع للواقف أو المتولي للاستعانة به على تعمير الوقف، مع أجرة ثابتة لا تقل عن أجرة المثل لمدة غير محدده".
وتفصل هذه المسودة الخلو، بأنه لا يورث ولا يباع، وبأن لصاحب الخلو حق القرار في خلوه وله النزول عنه بإذن من الواقف أو المتولي. وذلك بحسب المادة715 منه.
وفيما يتعلق بآلية فسخ العقد ودفع قيمة "خلو الرجل"، فتسرد المسودة ما يلي: "للوقف، أي المالك، حق فسخ عقد الخلو بعد التنبيه رسمياً على صاحبه طبقاً للقواعد الخاصة بالإيجار، على أن يرد له ما أنفقه على المنشآت من نفقات ضرورية بعد حسم قيمة ما أفاده منها".
لكن يبقى هذا القانون مسودة، بحاجة إلى مصادقة ولا يتم ذلك إلا عندما يجتمع المجلس التشريعي، ولذلك الحين سيبقى السوق الفلسطيني وبالتحديد سوق العقارات أسير قانون المالكين والمستأجرين الأردني القديم، كذلك بالعرف العثماني وبحركة السوق السوداء وجنون الأسعار في مدن الضفة.