الحياة في الضواحي: كابوس الغلاء
12:00 صباحاً 25 شباط 2015

الحياة في الضواحي: كابوس الغلاء

 رام الله-الاقتصادي-حسناء الرنتيسي-انتشرت في السنوات القليلة الأخيرة ظاهرة المدن او الضواحي السكنية في مدينة رام الله تحديدا، ما أحدث لونا جديدا في الشكل العقاري في فلسطين، حيث يسعى المستثمرون من خلال هذه المدن الى خلق تجمع سكني يدفع المواطن للرغبة في السكن فيه من خلال توفير الخدمات والبنى التحتية من مدارس ومراكز صحية ومكاتب وغيره.
 وفي ظل الرغبة في الهجرة الداخلية لرام الله كمنطقة حيوية تجاريا وسياسيا، ظهرت الحاجة إلى توزيع الضغط عن مركز المدينة، وذلك من خلال اختيار بناء هذه المدن في محيط رام الله لأسباب عدة.
مواطنون يفضلون البعد عن مركز رام الله والازدحام المروري والتجاري فيها، ومن الناحية الاخرى فضل مواطنون السكن في قلب المدينة نظرا لغلاء أسعار السولار وارتفاع تكاليف المواصلات.
أم حمزة ربة أسرة، لديها أولاد، تعيش في منطقة البيرة، تشجع اقامة الضواحي السكنية في محيط المدينة، وترى أن وجودها ضروري ويخدم المجتمع بنواح عدة، فمن جهة يتوزع العمران ولا يتركز في قلب المدينة، ومن ناحية اخرى تقول ان الشباب يحتاجون لتملك شقق سكنية بالتقسيط وبدفع معقولة.
اما حسام الذي يعمل في منجرة في رام الله فيقول إنه يتمنى شراء شقة سكنية قريبة من عمله، فهو يمتلك سيارة لكنه ينوي بيعها نظرا لغلاء أسعار الوقود، ويقول "ليش أسكن في قرية واصير ادفع طلبات او اجرة عالية حتى اوصل شغلي، الضواحي السكنية ناجحة للناس اللي بتسكن وبتشتغل فيها بس".

للخبراء آراء اخرى

مستشار ضاحية السنديان نعيم علوي يقول ان هذه المناطق التي انشأت فيها الضواحي والمدن السكنية كانت خارج التنظيم الهيكلي للقرى او لحدود البلد، لذلك تم الموافقة عليها من الجهات الرسمية حتى تم اعمارها.
ويشير علوي الى أن السبب الرئيسي لقيامها هو من أجل الاستثمار، "لكن المشكلة التي واجهتنا اننا درسناها من ناحية حدودها الاقتصادية وتكلفتها، الا ان التكلفة فاقت كل التصورات".
اما جريس عطا الله رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين، فأشار الى اهمية الضواحي السكنية، وقال إنها مهمة ومهمة جدا، لكن فيها بعض الاشكاليات المالية، فالضواحي التي تقام حول رام الله، اسعارها عالية جدا، "فمن المفروض السعي لاقامة بيت العيش الكريم الذي هو من حق كل مواطن، وبالتالي يجب اقامة مساكن تناسب دخل الناس وميزانياتهم".
وقال عطا الله ان هذه الضواحي لم تحل مشكلة، بل عملت مضاربة مع القطاع الخاص، وهناك نوع من الظلم للمستثمر، فالمستثمر الذي أقام مشروعا سكنيا في المصايف مثلا لم يبع مشروعه، حيث يفضل بعض المواطنين العيش في حي سكني كالضواحي الحديثة التي فيها كل ما يحتاجه المواطن في مكان واحد، وبالتالي اصبح هناك فائضا في الشقق التي لم تبع.
كما أشار عطا الله الى رغبة المواطن بالشراء في الضاحية السكنية، لكن لا يمكنه دفع مبالغ كبيرة في المواصلات او دفع 7 شواقل ثمن لتر البنزين، ولكن على المدى الطويل يمكن ان ينجح الموضوع، وذلك في حال تمكن المواطن من العمل والمبيت في مكان واحد، اي لا يضطر للتنقل المكلف.

التكلفة عالية والربح بعيد المدى

وقال علوي ان ضاحية السنديان فيها 40 فيلا، و60 شقة، و22 محلا تجاريا، وقد اقيمت على 30 دونما، وذكر انه وحسب الخطة كان من المفترض في 2014 ان يكتمل المشروع، لكنه سيتأخر لسنتين او ثلاث سنوات حاليا بسبب التكاليف العالية للمشروع وعدم بيع كافة الشقق والمحال.
وعن اسعار الشقق والفلل في الضواحي السكنية، قال علوي ان الاسعار غالية جدا بما يناسب تكلفتها، فتكلفة الفيلا عظم من 150-160 الف دولار، فالاستثمار هذا يعتبر مغامرة، كما أن اسعار الاراضي ارتفعت من 60-70 الف دولار للدونم.
اما عن تكلفة اقامتها، قال علوي "التكلفة وصلت لـ 800-900 ألف دولار فقط كبنية تحتية من شوارع وكهرباء وماء، لانا كنا ننحت الجبال، فالاستثمار لم يكن كما يجب، فهو مرهق جدا".
واضاف علوي "لو كنا نتوقع ان التكلفة عالية، ما اقدمنا على اقامة هذا المشروع، كما ان الاقبال على الضواحي السكنية ليس كما يجب، فالناس عادة تتوجه لمركز المدينة، ومن فترة بدأوا يقتنعون بالتوجه لسردا وبيتونيا، فهذه قناعات لدى الناس ويصعب تغييرها، وهذا التغيير يحتاج مدة زمنية طويلة".
واشار عطا الله ان المستثمرين لم يحققوا الربح المناسب بالغالب، حيث لم تبع كل الشقق التي بنيت، وبالعادة نسبة ربح المستثمر تكون محدودة، ولا يتحقق الربح المناسب الا اذا باع المستثمر الشقق كاملة، ومعظم الضواحي السكنية لم تبع كافة شققها، وبالتالي لم ينجح الاستثمار بالشكل المطلوب، فقد وضع المستثمرون مبالغ طائلة في هذه الضواحي، وكذلك المستثمرون الذين وضعوا اموالهم في شقق في رام الله ولم يتم بيعها.

ما المطلوب؟

من جهته انتقد علوي غياب الدعم لهذه المشاريع من قبل الدولة، وخاصة ان هذه المشاريع تشغل الايدي العاملة، وتعتبر ابواب رزق للكثير من الاسر الفلسطينية، فمشروع السنديان شغل من 60-70 عاملا.
وقال علوي "كان المفروض من الجهات المعنية ان تتبنى هذه المشاريع وتدعمها، الا انها لم تلتفت لها، وجريدة القدس هي اول جريدة تهتم بموضوع الضواحي السكنية، وهي تسير حسب المثل القائل "نامت ليلها كله، وقامت على زوجها تغله"، ونتمنى من الجهات الرسمية المعنية بتطور البلد أن تسألنا اين نحن وماذا نفعل؟".
كما تساءل علوي عن دور صندوق الاستثمار الفلسطيني الذي كان له دور في ضاحية الريحان؟، وقال "لماذا لا تحاول الدولة دعمنا او مساندتنا، اليس من واجب الحكومة وصندوق الاستثمار الفلسطيني حماية الاستثمار ودعمه؟!".
بينما رأى عطا الله ان صندوق الاستثمار الفلسطيني اصبح يمول قطاعات اسكانية، "وبالتالي صار ينافس القطاع الخاص، وهذا غير مقبول، فالدولة لا يجب ان تنافس القطاع الخاص، فهي المظلة التي يجب أن تحمي المستثمر والمواطن، وليس دورها ان تنافس المستثمر".
وعن دور الدولة في دعم المستثمرين في الضواحي السكنية، قال عطا الله إن الدولة لا يمكنها دعم المستثمرين في الضواحي السكنية، فمديونية الدولة تصل لـ 4.6 مليار دولار، وبالتالي لا يمكنها ان تدعمهم.

من يستطيع شراء الشقق بالضواحي السكنية؟

علوي قال ان الفلل التي بيعت ذهبت لأطباء ومهندسين، فهناك 23 فيلا، منها 2 -3 غير مباعة، وهناك 22 محلا تجاريا.
وأضاف علوي "هناك 3 احجام للشقق، الشقة التي مساحتها 170 مترا مربعا سعرها 70 الف دولار عظم، والشقق التي مساحتها 206مترا مربعا بيعت بـ 100 الف دولار عظم، والشقق التي مساحتها 260مرا مربعا بيعت بـ120 الف دولار عظم".
وانتقد عطا الله غلاء اسعار الشقق، وقال انه لا يرى ان المستثمر ربح بشكل كبير، لأن تكاليف اقامة هذه المشاريع عالية جدا، لكن المواطن العادي لا يمكنه شراء هذه الشقق.
وضرب عطا الله مثلا لتقريب الصورة، وقال "اوروبا تعطي اصحاب الرهونات العقارية ثلاثة اضعاف راتبه ليشتري بيت، فلنفرض ان سعر الشقة 72 الف دولار، اي يجب ان يكون راتبه السنوي 24 الف دولار، يقسط السعر على 25 سنة دون ان تتأثر حياته اليومية، وهذه الحسابات عملت على اساس دراسات وابحاث تناولت شراء الشقق بما لا يحرم المواطن من الحياة الكريمة".
 وأضاف"حسب هذه الحسابات على المواطن الفلسطيني أن يحصل على 2000 دولار راتب شهري، وبالتالي لن يشتري هذه الشقق الا وكيل وزارة، وهذه ارقام عالية جدا، فمعلم يحصل على راتب  قيمته 3 آلاف شيقل بعد خبرة عشر سنوات كيف يمكنه شراء بيت؟!
Loading...