ما الذي حدث للناس؟ .. الآثار الخفية للسياسات الاقتصادية الحديثة
ABRAJ: 1.99(%)   AHC: 0.88(%)   AIB: 1.45(4.61%)   AIG: 0.19(%)   AMLAK: 5.00(%)   APC: 7.25(%)   APIC: 2.60(0.00%)   AQARIYA: 0.82(%)   ARAB: 0.95(%)   ARKAAN: 1.38(%)   AZIZA: 3.00(1.64%)   BJP: 2.80(%)   BOP: 1.60(0.00%)   BPC: 4.15(2.72%)   GMC: 0.80(%)   GUI: 2.08(%)   ISBK: 1.50(2.74%)   ISH: 1.04( %)   JCC: 2.08(4.00%)   JPH: 3.80( %)   JREI: 0.28(%)   LADAEN: 2.36(0.42%)   MIC: 3.14(%)   NAPCO: 1.04( %)   NCI: 1.68( %)   NIC: 3.32( %)   NSC: 3.31( %)   OOREDOO: 0.82(1.23%)   PADICO: 1.10(0.00%)   PALAQAR: 0.42(%)   PALTEL: 4.80( %)   PEC: 2.84(7.49%)   PIBC: 1.08( %)   PICO: 3.39( %)   PID: 1.90(0.00%)   PIIC: 1.91(0.00%)   PRICO: 0.32( %)   PSE: 3.00(%)   QUDS: 1.34( %)   RSR: 3.60( %)   SAFABANK: 0.60( %)   SANAD: 2.20( %)   TIC: 3.00(4.17%)   TNB: 1.42(0.71%)   TPIC: 2.05( %)   TRUST: 3.04( %)   UCI: 0.48( %)   VOIC: 14.50( %)   WASSEL: 0.92(1.08%)  
11:28 صباحاً 10 آب 2020

ما الذي حدث للناس؟ .. الآثار الخفية للسياسات الاقتصادية الحديثة

وكالات - الاقتصادي - آخر مرة شوهدت فيها المسنة البريطانية البالغة من العمر 85 عامًا "إيزابيلا بورفيس" على قيد الحياة كانت في عام 2004، السيدة التي كانت تسكن بأحد أحياء مقاطعة أدنبرة كانت قليلة الكلام ولم يكن يشاهدها جيرانها إلا وهي تخرج لتشتري الصحف من متجر قريب.

في عام 2004 اختفت "إيزابيلا" فجأة من على وجه الأرض، على حد تعبير، أحد سكان نفس الحي الذي كانت تقطن به، بعض جيرانها اعتقدوا أنها ربما انتقلت إلى مكان آخر، بينما لم تهتم الأغلبية ومع الوقت نسى الجميع أمرها.

 
5 سنوات!
 
بعد أن مرت أسابيع وشهور وأعوام وتحديدًا في عام 2009 لاحظ سكان الشقة التي تقع أسفل شقة "إيزابيلا" تسرب مياه من شقتها مما دفعهم لاستدعاء السلطات المحلية التي اكتشف أفرادها بعد كسرهم للباب الذي تراكمت خلفه رسائل البريد غير المفتوحة جثة "إيزابيلا"، ماتت المرأة منذ 5 أعوام ولم يلاحظها أحد!
 
على الفور، احتلت القصة المأساوية لـ"إيزابيلا بورفيس" عناوين الصحف في جميع أنحاء المملكة المتحدة؛ لأنها تجسد تدهور المجتمع البريطاني وتآكل نسيجه بعد أن سيطرت عليه روح الفردية كنتيجة تراكمية للسياسات الاقتصادية النيوليبرالية.

 يقول أحد سكان الحي الذي كانت تعيش فيه "إيزابيلا": "إن التواصل بين سكان الحي أصبح في أضيق النطاق منذ ظهور سلاسل السوبر ماركت الكبيرة في المنطقة قبل سنوات، في السابق كان هناك محل للجزارة وآخر للملابس وثالث للبقالة، وكنا نتقابل ونرى بعضنا حين نذهب إلى هذه المحلات الصغيرة، لكن سلاسل السوبر ماركت الكبيرة جعلت الأمور أقل تفاعلًا".

ما حدث لإيزابيلا لم يكن حالة متطرفة أبدًا، فقد لقى كثيرون مثلها مصيرًا مشابهًا في الأعوام اللاحقة، وهؤلاء جميعًا ضحايا للشكل الذي أصبح عليه الاقتصاد والمجتمع بشكل عام، فالسياسات الاقتصادية النيوليبرالية ساهمت بشكل أو بآخر في جعل كل فرد بالمجتمع شخصًا أنانيًا ومستقلًا وخصمًا لأي شيء اجتماعي، متناسيًا أن وجوده يعتمد على الآخرين.
 
انتشار هذه الثقافة التي تقدم الفرد على كل شيء وأي شيء بين سكان الاقتصادات الغربية ساهم في تآكل نسيج المجتمعات التي لم يعد هناك ترابط كبير بين أفرادها، وهو ما يوضح كيف ماتت "إيزبيلا" وحيدة في شقتها دون أن يلاحظ لا قريب ولا صديق ولا جار، غيابها لمدة 5 سنوات.

 

الكل يتنافس مع الكل

ترى النيوليبرالية أن المنافسة يجب أن تكون هي السمة المميزة للعلاقات الإنسانية، ووفقًا لها، المواطنون ما هم إلا مجموعة من المستهلكين الذين بإمكانهم ممارسة خياراتهم الديمقراطية من خلال البيع والشراء، وفي نفس الوقت تؤكد أن نظام السوق الحرة قادر على أن يحقق مزايا لا يمكن تحقيق مثلها عن طريق التخطيط.
 
ولهذا غالبًا ما يتم التعامل مع محاولات الحد من التنافس باعتبارها معادية للحرية، فيجب تقليل الضرائب على الأثرياء وتخفيف القواعد التنظيمية وخصخصة القطاع العام وتصوير دفاع النقابات عن حقوق العمال على أنها محاولة لتشويه نظام السوق الحرة، ويجب كذلك أن تتراجع الحكومات عن محاربة الاحتكار لأن القوة الاحتكارية تعكس كفاءة المحتكر بالأساس.
 
في كتابه الصادر في عام 2014 تحت عنوان "ماذا عني؟" يشير أستاذ علم النفس البلجيكي إلى الآثار السلبية للنمط الاجتماعي الذي فرضته السياسات النيوليبرالية على كثير من المجتمعات الغربية والتي شملت: الجنوح إلى إيذاء النفس واضطرابات الأكل والاكتئاب والشعور بالوحدة والرهاب الاجتماعي.
 
لذلك لا توجد مفاجأة في أن بريطانيا – البلد الذي تطبق فيه السياسات النيوليبرالية بصرامة – تتصدر دول القارة الأوروبية من حيث عدد السكان الذين يشعرون بالوحدة.

 بدأت بريطانيا طريقها مع السياسات النيوليبرالية في بداية الثمانينيات، فبعد تولّي "مارجرت تاتشر" لمنصبها كرئيسة لوزراء بريطانيا شرعت المرأة الحديدية في تنفيذ حزمة من الإجراءات التي شملت تخفيضات هائلة للضرائب على الأثرياء وسحقاً للنقابات وإلغاء للقيود التنظيمية وخصخصة القطاع العام.

 هذه السياسات وغيرها ساهمت في إثراء الأثرياء وإفقار الفقراء والأخطر من ذلك هو أنها مع الوقت ساعدت على سيطرة "الفردانية" على المجال العام، مما أدى إلى إضعاف القوى والروابط الاجتماعية، الكل يبحث عن مصلحته، الكل يريد أن ينجو بنفسه ولا أحد يهتم حتى بالجالس إلى جانبه.

  
وبالتالي فإن القصة المأساوية لـ"إيزابيلا بورفيس" تفتح للمتأمل نافذة على مشهد اجتماعي أوسع في دولة غربية كبريطانيا ساهمت سياساتها الاقتصادية النيوليبرالية بشكل أو بآخر في تمكن الفردية من الجسد الهزيل للمجتمع الذي ينحدر مستوى الترابط به من سيئ إلى أسوأ.

Loading...