التشتت أثناء قيادة السيارات ظاهرة تتوسّع مع التطوّر التكنولوجي
10:37 صباحاً 23 تشرين الثاني 2025

التشتت أثناء قيادة السيارات ظاهرة تتوسّع مع التطوّر التكنولوجي

الاقتصادي- يشكل التشتت أثناء قيادة السيارات أحد أخطر العادات التي تهدد السلامة على الطرق حول العالم، كما في الولايات المتحدة. فبينما يعتقد كثير من السائقين أنهم قادرون على "تعدد المهام" أثناء القيادة، فإن الواقع يقول عكس ذلك تماماً، فتركيزهم يتبدد، وقد تكون النتيجة مأساوية. وبحسب تقرير مدوّنة "فوكس تو موف" (Focus2Move)، فإن الكثير من الحوادث على الطرق تُعزى إلى الانشغال بالهاتف المحمول أو الأنظمة الترفيهية داخل السيارة، وعلى الرغم من جهود التوعية وتصاعد التشريع، تستمر الخسائر البشرية في الارتفاع.

وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الوفيات جراء الحوادث المرتبطة بعدم التركيز بلغ أكثر من 3300 شخصٍ في عام 2022، بينما لم يختلف كثيراً في 2023، مما يسلّط الضوء على أن التشتيت خلف المقود لم تقل خطورته، بل قد يكون أكثر انتشاراً مما تعكسه الأرقام حالياً. ويُعزى جزء من صعوبة التقدير إلى أن السلطات غالباً ما تجد صعوبة في إثبات أن السبب كان التشتت، ما لم يدع السائق ذلك بنفسه أو يثبت عبر بيانات هاتفه بعد الحادث.

تشتت بصري ويدوي وفكري أثناء قيادة السيارات

تُصنف مراكز الوقاية من الأمراض التشتت أثناء القيادة إلى ثلاثة أنواع رئيسية: التشتت البصري، الذي يشمل تحريك النظرات للاستجابة للهاتف أو الخرائط. التشتت اليدوي، حين يرفع السائق يديه عن عجلة القيادة ليرسل رسالة أو يضبط الراديو. أما التشتت المعرفي، فهو عندما ينشغل العقل بالتفكير في أمور أخرى كالمشاكل الشخصية أو العمل.

وبعض الخبراء يضيفون أيضاً نوعاً رابعاً وهو التشتت السمعي، كأن يتحول الانتباه نحو الحديث مع الركاب أو الموسيقى الصاخبة داخل السيارة. والأمر الأخطر أن التحديق في الهاتف لمدة ثوانٍ معدودة قد يكون كافياً لتحويل الطريق إلى فخ، فقد أظهرت الدراسات أن الرد على رسالة أو حتى مجرد النظر إلى الشاشة قد يستغرق حوالي خمس ثوانٍ، وهذه لحظة كافية لقطع مسافة تزيد على طول ملعب كرة، إذا كان السائق يسير بسرعة معتدلة.

خطر يهدد الأرواح: الأرقام تفضح

كما أوردت "فوكس تو موف" أن الحوادث المرتبطة بالانشغال والابتعاد عن الطريق ليست مجرد إسراف في الوقت أو تعرض للمضايقات، بل إنها تودي بحياة الكثيرين سنوياً. وعلى الرغم من أن الهواتف المحمولة هي المتهم الأول غالباً، فإن هناك مصادر تشتيت كثيرة أخرى مثل تناول الطعام، والتعامل مع نظام الملاحة (GPS)، والتحدث مع الركاب أو حتى الترحُّل الذهني إلى أفكار بعيدة.

والخطورة الحقيقية تكمن في أن مجرد لحظة، حتى لو بقوة ثانية أو اثنتين، من عدم الانتباه يمكن أن تترجم إلى حادث قاتل. لذلك، يقول الخبراء إن السلامة على الطريق لا تتطلب فقط قوانين صارمة، بل وعياً جماعياً من السائقين بأن حياتهم وحياة الآخرين لا تحتمل المغامرة بلحظة تشتيت.

الحلول المتاحة: تكنولوجيا وتوعية أثناء قيادة السيارات

لمواجهة هذا الخطر، يقترح المختصون مجموعة من الأدوات التي يمكنها مساعدة السائقين على تقليل التشتت. من تثبيت الهواتف بإحكام في حامل وصلة السيارة، إلى الاعتماد على أنظمة التحكم الصوتي التي تتيح تنفيذ المهام دون النظر إلى الشاشة. وهناك أيضاً تطبيقات تمنع استقبال الرسائل أثناء القيادة، والتحكم في الإشعارات لتقليل الإغراء.

إضافة إلى ذلك، يرى البعض أن التوعية هي المفتاح. فبجانب حملات السلامة الرسمية، يمكن للركاب التضامن مع السائق عبر تذكيره بعدم استخدام الهاتف، أو التعاون معه لإدارة المهام أثناء الوقوف. كما يجب على أولياء الأمور والمدربين دمج مفاهيم الانتباه الكلي في تعليم قيادة الشباب، كي نفهم أن الطريق ليس مكانًا للتجربة أو الترفيه، بل مسؤولية حياتية تجاه النفس والآخرين.

انتباه السائق قد ينقذ حياة ركاب السيارات

في المحصلة يمكن القول إن ظاهرة القيادة المشتتة ليست جديدة، لكنها ازدادت حدة مع انتشار الهواتف الذكية والأنظمة الترفيهية الحديثة داخل السيارات. حسب الدراسات، حوالي 25% من الحوادث المرورية في الولايات المتحدة تشمل عنصر الانشغال بالهواتف أو الأجهزة الرقمية، وهو رقم يعكس خطورة هذا السلوك. وتؤكد الدراسات النفسية أن الدماغ البشري غير مهيأ للتعامل مع مهمتين تتطلبان تركيزاً عالياً في الوقت نفسه، مثل قيادة السيارة وإرسال رسالة نصية، إذ تتراجع سرعة الاستجابة وقدرة اتخاذ القرار الحاسم بنسبة قد تصل إلى 50%.

في المقابل، أظهرت تجارب ميدانية أن استخدام أنظمة القيادة المساعدة الحديثة، مثل التحذير من الاصطدام أو التحكم الذاتي الجزئي، يقلل من احتمالية الحوادث بنسبة كبيرة، لكنه لا يلغي الحاجة إلى الانتباه الكامل من السائق. الخلاصة أن التوعية المستمرة، والتطبيق الصارم للقوانين، واعتماد التكنولوجيا الوقائية معًا يشكل السبيل الأكثر فاعلية للحد من الوفيات والإصابات الناتجة عن القيادة المشتتة.

وفي نهاية المطاف، القيادة المشتتة ليست محض خطأ يومي أو ترف تكنولوجي، بل هي تهديد مستمر للأرواح. وإذا كان لا يمكن القضاء على كل مصدر تشتيت داخل السيارة، فربما يكمن الحل في تغيير السلوك. بمعنى الالتزام بوضعية القيادة المنضبطة، وأن يتذكر السائق أن كل لحظة يأخذ فيها الهاتف أو يرفع عينيه عن الطريق يمكن أن تكون الفرق بين الأمان والمصير.

 

 

Loading...