
خاص الاقتصادي- على غير ما اعتادته الذاكرة الشعبية وما حفظته الأمثال عن “شتاء كانون” وبرده القارس، يدخل الفلسطينيون شهر كانون الأول/ ديسمبر لهذا العام دون أن تطرق الأمطار أبوابهم، في مشهد يبدو أكثر غرابة مع كل سنة جديدة، باستثناء حالة من عدم الاستقرار الجوي سقطت خلالها الأمطار بغزارة وتشكلت معها السيول في مشهد لم يكن معتادا.
فالأجداد الذين كانوا يشيرون إلى بداية الخريف كنقطة انطلاق المطر منذ أواخر أيلول/سبتمبر، وصولًا إلى شتاء كانون الذي كانت الأمطار فيه وفيرة ومتواصلة؛ يقفون اليوم أمام واقع مختلف تماما، إذ بات تأخر الهطول سمة واضحة خلال العقد الأخير.
شتاء بطيء… وبيوت بلا تدفئة
حتى مطلع كانون الأول/ ديسمبر، لم تضطر العائلات الفلسطينية إلى تشغيل وسائل التدفئة، ولم تغادر الملابس الخفيفة خزائن كثيرين، في شهر كان يعد ذروة البرد. حتى محال الملابس تأخرت في عرض الملابس الشتوية استجابة لتأخر الموسم.
في الماضي، ما إن يبدأ تشرين الأول/أكتوبر حتى تبدأ البيوت بالتحضير للشتاء: شراء الحطب، تجهيز المدافئ، وإخراج الملابس الثقيلة.
أما اليوم، فالمشهد مغاير؛ الملابس الشتوية تلازم الرفوف، ووسائل التدفئة لم تُشغَّل فعلا، والطقس الدافئ غير المعتاد يضاعف الأسئلة حول تغيّر المناخ وتأثيره على فلسطين.
حتى الأمثال الشعبية التي ارتبطت بشدة برد ومطر كانون تبدو وكأنها تخاطب زمنا مضى: "في كانون كنّ عند أهلك يا مجنون"، "بكانون كنّ في بيتك، وكثّر من حطبك وزيتك"، "في كانون الأصم، اقعد في بيتك وانطم"، "في كانون كنّ وعالفقير حنّ"، "في كانون كنّ وعَ البعير حنّ".
لكن كانون هذا العام بلا مطر، وبلا برد، وبلا ما تحمله تلك الأمثال من علامات فصل الشتاء.
تراكم مطري أقل من المعتاد
ومع انتهاء فترة الأشهر الثلاثة الماضية من أيلول/ سبتمبر حتى نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، برزت تساؤلات حول ما إذا كانت كميات الأمطار طبيعية مقارنة بالسنوات السابقة.
دائرة الأرصاد الجوية الفلسطينية أكدت لـ"الاقتصادي" أن كميات الأمطار التراكمية لم تصل إلى المعدلات المعتادة خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، مشيرة إلى أن ضعف الهطولات في أكتوبر كان العامل الأبرز في هذا النقص.
وقال مدير عام الأرصاد الجوية، عصام عيسى، إن الحالة الجوية خلال الشهور الماضية غلبت عليها حالات عدم الاستقرار بدل المنخفضات الجوية التقليدية، وهي حالات تنتج أمطارًا غزيرة ولكن متفرقة، تتركّز في مناطق محددة دون غيرها.
وأوضح أن هذا النمط أدى إلى توزيع سيّئ للأمطار، وغزارة مفاجئة في فترات قصيرة، ما تسبب في مشاكل زراعية مثل انجراف التربة وتضرر المحاصيل، إضافة إلى سقوط أوراق النباتات وغمر التربة بالمياه.
كما نبّه إلى أن عدم الاستقرار الجوي يزيد من احتمالات السيول والفيضانات، كما حدث خلال يومي 24 و25 نوفمبر، حين شهدت بعض المناطق أمطارًا غزيرة دفعت لحدوث سيول مفاجئة.
ووفق عيسى، كانت آثار هذا النوع من الهطول كارثية على الحالة الإنسانية في قطاع غزة، إذ فاقمت الأمطار الغزيرة معاناة الناس في ظل ضعف إمكانات الإغاثة وصعوبة توفير مأوى مناسب للنازحين.
التوقعات الموسمية التي نُشرت في أكتوبر الماضي تشير إلى أن الموسم المطري 2025/2026 قد يكون أفضل من سابقه من حيث مجموع كميات الأمطار، رغم احتمال أن يكون عدد الأيام الماطرة أقل من المعدل العام، ما يعني استمرار نمط الهطولات المتباعدة والغزيرة.
وبين أمثال الأجداد التي تعيد رسم ملامح شتاء حقيقي، وواقع مناخي مضطرب يعيد تشكيل الفصل الأكثر ارتباطًا بالذاكرة الفلسطينية، يدخل الفلسطينيون كانون الأول بلا مطر، وبلا دفء يشير إلى أن الشتاء قد بدأ.
وإلى حين وصول أول منخفض واسع، تبقى الأسئلة معلّقة حول مستقبل المواسم المطرية، وتأثير تغيّر المناخ على حياة الناس وقطاع الزراعة ومجمل البيئة المحلية.