بين نار الوقود وغلاء “التوفير”.. لماذا تبقى سيارات الهايبرد والكهرباء حلماً بعيداً؟
10:27 صباحاً 02 كانون الأول 2025

بين نار الوقود وغلاء “التوفير”.. لماذا تبقى سيارات الهايبرد والكهرباء حلماً بعيداً؟

خاص الاقتصادي – مع كل ارتفاع جديد في أسعار المحروقات، تتسع الفجوة بين قدرة العائلات الفلسطينية على تحمل تكلفة التنقل وبين الواقع الاقتصادي المتدهور. في الضفة الغربية باتت فاتورة الوقود والمواصلات  بنداً أساسيا في مصاريف الأسرة، وتحوّلت إلى أزمة يومية تستنزف رواتب الموظفين التي تصل متقطعة، وتثقل كاهل آلاف السائقين في ظل توقف عمال الداخل عن العمل وتراجع الحركة التجارية والاقتصادية.

 وفي الوقت الذي يتطلع فيه المواطن إلى وسيلة نقل اقتصادية تخفف الضغط على دخله، يصطدم بواقع مغاير حين يكتشف أن سيارات الهايبرد والكهرباء، التي يفترض أن تكون الحل، أصبحت خارج متناول شريحة واسعة من الناس.

ورغم أن شراء سيارة موفرة للوقود بات خياراً منطقياً وسط موجة الغلاء الحالية، إلا أن كثيرين يتراجعون بمجرد الاطلاع على الأسعار، فالمعادلة القاسية تجعل المستهلك أمام خيارين أحلاهما مر: إما البقاء مع سيارة البنزين ودفع فاتورة مرتفعة بشكل مستمر، أو التوجه نحو الهايبرد والكهرباء ودفع ثمن يفوق قدرة الدخل الفلسطيني. 
أحد السائقين قال خلال جولة لـ“الاقتصادي” إنه ينفق ما يقارب ألف شيكل شهريا على البنزين، إذا يضطر لقطع قرابة 1400 كيلو شهريا للوصول إلى مكان عمله في رام الله قادما من إحدى قرى غرب المحافظة، لكنه حين فكر بشراء سيارة هايبرد وجد أن الأسعار “تصدم أكثر من فاتورة الوقود نفسها”.

وسط هذا الجدل، يؤكد الخبير في قطاع السيارات أكرم العواودة أن أسعار الهايبرد والكهرباء في الضفة الغربية “مرتفعة بشكل مبالغ فيه وتتجاوز قيمتها الحقيقية بكثير”. 
ويشرح العواودة أن أي سيارة في العالم تتحدد كلفتها من ثلاث طبقات فقط: قيمة السيارة من المصنع، وتكلفة الشحن والنقل، والجمرك. 

ورغم هذا البناء البسيط، يقول إن الواقع المحلي يُظهر قفزة غير مبررة في هامش السعر النهائي، إذ إن السيارة التي تُباع في فلسطين بـ115 ألف شيكل، مثل “كيا نيرو 2022"، لا تكلف في بلد المنشأ سوى ثلث هذا الرقم تقريباً.

ويضيف العواودة أن تكلفة الشحن، حتى بعد الزيادات العالمية الأخيرة، لا تتجاوز 500 دولار للسيارة الواحدة، وهو مبلغ لا يمكن أن يكون سبباً في تضاعف الأسعار. 
أما الجمارك المفروضة على السيارات الكهربائية والهجينة، والتي تتراوح بين 10% و40%، فيراها الخبير غير كافية لتفسير الفوارق الشاسعة بين الأسعار المحلية وتلك الموجودة في أسواق مثل دبي والسعودية والأردن، حيث تباع السيارات نفسها بنصف السعر تقريباً.

ويذهب العواودة أبعد من ذلك حين يصف الأرباح التي يحققها بعض التجار بأنها “جنونية”، موضحاً أن هامش الربح قد يصل إلى 30 أو 33 ألف شيكل على السيارة الواحدة، وهو رقم يفوق -بحسب قوله- الأرباح التي تحققها الشركات الأم في بعض الدول.

ويرى العواودة أن المواطن الذي يتجه نحو الهايبرد أو الكهرباء بهدف التوفير، قد يجد نفسه في معادلة خاسرة على المدى المتوسط، فالمركبة التي تُشترى بـ120 ألف شيكل قد تفقد ما يزيد عن نصف قيمتها خلال ثلاث سنوات فقط، ما يجعل فكرة التوفير الفعلي موضع شك، ويعني أن المستهلك يدفع “قيمة التوفير مسبقًا” في سعر الشراء نفسه. 
ويحمّل الخبير غياب الرقابة وضعف دور الجهات المختصة المسؤولية عن هذا الانفلات السعري، مطالباً بإجراء دراسة مقارنة للأسعار محلياً ودولياً، وتشجيع المستهلك على ممارسة رقابة ذاتية قبل اتخاذ قرار الشراء.

ورغم كل ذلك، تظهر بيانات وزارة النقل والمواصلات أن الفلسطينيين يواصلون التوجه نحو السيارات الموفرة؛ ففي الأشهر الثمانية الأولى من 2025، تم تسجيل 3108 سيارات هايبرد جديدة لأول مرة، لتتفوق على سيارات البنزين التي بلغت 2049 سيارة، فيما سجلت سيارات الديزل 3119 مركبة، ووصل عدد السيارات الكهربائية المرخصة لأول مرة إلى 798 مركبة، بنسبة 8.3% من إجمالي المركبات المسجلة في الفترة نفسها. هذه الأرقام تعكس رغبة واضحة لدى المستهلك الفلسطيني في البحث عن حلول تقلل فاتورة الوقود، حتى لو كان الطريق إليها مكلفاً.

وتعمل في السوق الفلسطينية منظومتان رئيسيتان لتجارة السيارات: الوكالات الرسمية والمركبات المستعملة المستوردة، ويزيد عدد المستوردين عن 300 مستورد، ضمن سوق يضم نحو نصف مليون مركبة بين مرخصة وغير مرخصة. ورغم هذا الحجم الكبير، ما تزال الأسعار تُحدد دون وجود سقوف واضحة أو إطار ضبط يراعي مستويات الدخل ومستوى المعيشة.

وفي النهاية، يبدو أن المستهلك الفلسطيني عالق بين خيارين لا يمنحان راحة: سيارة بنزين أو ديزل تستنزف دخله شهرياً، أو سيارة هايبرد وكهرباء تدفعه إلى استدانة أو إنفاق مدخراته أو الاقتراض في وقت ترتفع فيه الأسعار وتتراجع فيه القدرة الشرائية. 
وبين هذا وذاك، تبقى سيارات “التوفير” حلماً بعيداً في سوق يفتقر للرقابة، ويحتاج إلى إعادة ضبط تضع مصلحة المواطن قبل هامش الربح.

Loading...