محلل مالي: قانون خفض استخدام النقد أصبح ضرورة لحماية الاقتصاد الفلسطيني
10:49 صباحاً 09 كانون الأول 2025

محلل مالي: قانون خفض استخدام النقد أصبح ضرورة لحماية الاقتصاد الفلسطيني

الاقتصادي- قال المحلل المالي محمد سلامة، إن قانون خفض استخدام النقد لم يعد مجرد خيار تنظيمي، بل تحول إلى ضرورة وطنية لإنقاذ الاقتصاد الفلسطيني من واحدة من أخطر الأزمات البنيوية التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة.

وأضاف سلامة خلال مداخلة له في لقاء حواري نظمته سلطة النقد حول مشروع قانون خفض استخدام النقد،  أن السنوات الخمس الماضية شهدت تراجعاً كبيراً في مستويات الثقة وحالة من عدم اليقين في المشهد السياسي الفلسطيني، ما أدى إلى تفاقم فوضى مالية واسعة نتيجة تراكم كميات ضخمة من الورق النقدي، سواء داخل أرصدة البنوك أو خارجها لدى الأفراد والتجار.

وأوضح، أن هذا التراكم الهائل للنقد غير المنتج عطّل الدورة الاقتصادية وأضعف قدرة النظام المالي على العمل بكفاءة.

وأشار سلامة، إلى أن قيمة النقد الموجود في السوق الفلسطيني يقدر بنحو عشرة مليارات دولار، منها ثمانية مليارات بعملة الشيكل وحدها، بينما لا يحتفظ القطاع المصرفي سوى بـ5.62 مليار دولار في خزائنه.

هذا الفارق الكبير، بحسب سلامة، يكشف وجود كتلة نقدية ضخمة مخزنة في المنازل والمحلات وخارج الدورة الرسمية، ما يعطّل الائتمان، ويحد من قدرة البنوك على تحريك الاستثمار، ويجمد دورة المال الضرورية لأي اقتصاد نشط.

مقارنات دولية تكشف حجم الاختلال

وشدد، أن إصدار قانون خفض استخدام النقد لم يعد يحتمل التأجيل، بل يجب أن يقرّ فوراً ويُنفذ بشكل عاجل، لأن المقارنة مع دول العالم تكشف حجم الخلل في الوضع الفلسطيني. ففي الولايات المتحدة يبلغ حجم النقد الورقي المتداول نحو 2.4 تريليون دولار مقابل ناتج محلي يبلغ 30 تريليون دولار، أي بنسبة تقل عن 8%. وفي الأردن، يصل حجم النقد المتداول إلى 6 مليارات دينار، تشمل ما يقارب 400 مليون دينار متداولة داخل الأراضي الفلسطينية، وتشكل هذه الكتلة أقل من 10% من الناتج المحلي الأردني المقدّر بنحو 56 مليار دولار. أما في دولة الاحتلال، فيُظهر آخر تقرير للبنك الإسرائيلي أن حجم النقد الورقي في التداول يبلغ 134 مليار شيكل، في حين يصل الناتج المحلي إلى 600 مليار شيكل، أي بنسبة قريبة من 22%.

وفي المقابل، يوضح سلامة أن الأرقام داخل فلسطين تكشف عن أزمة حقيقية وأكثر خطورة، إذ تقدّر الكتلة النقدية المتداولة بنحو 30 مليار شيكل بين ما هو موجود لدى البنوك وما هو خارجها، أي ما يعادل قرابة 10 مليارات دولار، مقارنة بناتج محلي لا يتجاوز 12 مليار دولار فقط. وهذا يعني أن نسبة النقد إلى الناتج تلامس 90%، وهي نسبة غير طبيعية تُظهر حجم الفوضى النقدية وأثرها البالغ على الاقتصاد وقدرته على النمو والاستقرار، ما يجعل معالجة هذا الوضع أولوية وطنية ومالية عاجلة.

أبعاد سياسية واجتماعية… ودور القانون في الإصلاح

وتابع: وجود نحو 30 مليار شيكل نقداً في السوق الفلسطيني يحمل أبعاداً سياسية خطيرة، إذ تستفيد إسرائيل من أرباح إصدار العملة بنسبة تصل إلى 4%، ما يعني أن جزءاً من الثروة المتداولة محلياً يعود ربحه مباشرة إلى البنك المركزي الإسرائيلي. كما ترتبط الكتلة النقدية الضخمة خارج البنوك بارتفاع معدلات الجريمة وانتشار الاقتصاد غير الرسمي، الذي يشكل تهديداً إضافياً للاقتصاد والمجتمع.

ويرى سلامة، أن تطبيق قانون خفض استخدام النقد سيساهم في إعادة تنظيم السوق، وتقليل الاعتماد على الشيكل، وتوسيع قاعدة الإيداع البنكي، وتعزيز الشفافية المالية بما يخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية.

يذكر أن مشروع القانون ينص على منع الدفع النقدي في المعاملات التي تتجاوز قيمتها عشرين ألف شيقل أو ما يعادلها بالعملات الأخرى، مع منح سلطة النقد صلاحية تعديل هذا السقف بالتنسيق مع وزارة المالية والجهات ذات العلاقة. كما يخوّل مشروع القانون سلطة النقد وضع حدود قصوى للقروض النقدية، والتبرعات والهبات النقدية، ومعاملات القطاعات الحساسة مثل العقارات والسلع الفاخرة، لضمان الشفافية وتقليص فرص غسل الأموال.

وحددت سلطة النقد سقف التعامل النقدي بـعشرين ألف شيقل، استنادا للدراسات والمؤشرات الخاصة بالقطاع المصرفي الفلسطيني، حيث أن 96% من الإيداعات النقدية بعملة الشيقل تقل عن عشرين ألف شيقل.

وبحسب سلطة النقد، سيسهم القانون في خفض التكاليف والمخاطر المرتبطة بالنقد، فعمليات التعامل بالنقد أعلى تكلفة من الناحية الأمنية، النقل، التخزين، التأمين، وبفرض سقف نقدي، تقل هذه المخاطر.

ويتضمن مشروع القانون فرض غرامات مالية تتراوح بين 5% و15% من قيمة المعاملة النقدية المخالفة، وتُضاعف العقوبة في حال التكرار أو التحايل على أحكام القانون. كما يمنح مشروع القانون فترة ستة أشهر لتوفيق الأوضاع بما يتناسب مع أحكامه، على أن تتولى سلطة النقد الإشراف على التنفيذ بالتنسيق مع وزارتي المالية والاقتصاد الوطني والجهات الرقابية ذات العلاقة، لضمان التطبيق الفعلي والمنظم للقانون.

 

Loading...