
الاقتصادي- كانوا حتى وقت قريب عنوانا للاستقرار في بيوتهم، يتقاضون أجرا يوميا يزيد عن 300 شيكل، ويشكلون شريانا ماليا يضخ أكثر من 1.5 مليار شيكل شهريا في جسد الاقتصاد الفلسطيني.
اليوم، ومع إسدال الستار على عام 2025، يقف عشرات آلاف العمال الفلسطينيين الذين عملوا داخل إسرائيل والمستوطنات أمام واقع قاس، بلا عمل ولا دخل، مثقلين بالديون والقروض والشيكات المرتجعة، بعد عامين من الإغلاق والمنع حوّل حياتهم رأسا على عقب.
على امتداد سنوات، اعتمدت قطاعات البناء والزراعة والخدمات في إسرائيل على نحو 178 ألف عامل فلسطيني، وهو رقم كانت النقابات العمالية تقدّره بأكثر من 200 ألف.
شكل هؤلاء أحد أعمدة السوق الفلسطينية، قبل أن تتوقف حياتهم المهنية فجأة عقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 2023.
في لحظة واحدة، انقطع مصدر الدخل الرئيسي لآلاف الأسر، ووجد الاقتصاد المحلي نفسه أمام فجوة مالية خانقة، لم يتمكن من تعويضها أو امتصاص آثارها.
قبل تلك الأحداث، كانت نسبة البطالة في الضفة الغربية تدور حول 12.9%، لكنها قفزت بشكل حاد لتبلغ نحو 28.5% بين المشاركين في القوى العاملة بحلول الربع الثالث من عام 2025، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
يعني هذا الارتفاع خسارة فعلية لعشرات آلاف فرص العمل التي لم يستطع السوق المحلي الهش استيعابها، في ظل ركود اقتصادي عام وتراجع في القدرة الإنتاجية.
غير أن البطالة لم تكن وحدها العنوان الأبرز للأزمة، فالأثقل وقعا كانت الديون، فغالبية العمال اعتمدوا على دخلهم المنتظم لتسديد أقساط قروض إسكان وسيارات وقروض شخصية، إضافة إلى شيكات آجلة والتزامات أسرية.
ومع انقطاع الدخل كليا، تحولت هذه الالتزامات إلى عبء خانق يهدد الاستقرار الاجتماعي. آلاف العمال باتوا عاجزين عن السداد، يلاحقهم شبح الإفلاس، وأوامر الحبس، بما يحمله ذلك من تبعات قانونية وخسارة للثقة في السوق.
وتحذر النقابات العمالية من أن قرابة 80% من هؤلاء العمال باتوا مهددين بانهيار كامل في أوضاعهم المعيشية، ولا سيما في قطاع البناء الذي كان يستوعب وحده نحو عشرات آلاف العمال.
ورغم الحاجة الواضحة في السوق الإسرائيلية، خصوصا في البناء، بقيت عودة العمال الفلسطينيين محدودة جدا.
تشير المعطيات إلى توجه متزايد نحو استقدام عمالة أجنبية لسد النقص، ما يضيّق الخناق أكثر على العمال الفلسطينيين.
ولم يُسمح بالعودة إلا لأعداد قليلة وفي قطاعات محدودة، أبرزها الزراعة والغذاء، بينما بقيت الغالبية العظمى حبيسة البطالة داخل الضفة الغربية.
مع نهاية عام 2025، يقف “جيش العمال” الذي شكّل يوما عماد الاقتصاد الفلسطيني على حافة المجهول. قوة عمل خبيرة تحولت إلى قوة عاطلة، وأسر كانت تعيش على دخل مستقر باتت تواجه الفقر والديون. بين الانتظار والقلق، تتعالى الأصوات المطالبة بخطط إنقاذ عاجلة، خشية تحول الأزمة إلى نقطة انهيار طويلة الأمد.