
الاقتصادي - يوشك عام 2025 على نهايته، وقد يكون الوقت مناسباً للاستماع إلى مراجعة موضوعية عن التوقعات التي سبقت انطلاقه. يضع كاتب العمود في "فاينانشال تايمز" تيغ باريك بعض القراءات المخالفة للإجماع على الواجهة من جديد والتي كان قد طرحها قبل عدة أشهر.
الأسواق كانت تتحرك على عكس عناوين الأخبار الكئيبة أغلب الوقت، بدايةً من أجندة الحماية التجارية الواسعة للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المخاوف المتكررة من فقاعة في الأسواق.
لكن المزاج لا يطابق الواقع دائماً. هذا العام جاء مليئاً بالمفاجآت الإيجابية؛ فبالرغم من موجة التشاؤم التي تفشّت في الربع الأول وبعد إعلانات "يوم التحرير" في 2 أبريل، تفوقت الاقتصادات والتجارة والأسواق العالمية على توقعات الإجماع.
وانطلاقاً من القراءات المناقضة للتيار التي قدّمها باريك نفسه، يعود ليسلط الضوء هنا على 3 أسباب جعلت كثيراً من الاقتصاديين يستهينون بعام 2025.
1. ترجمة ترامب: من التهديد إلى "تكتيك افتتاحي"
كانت أجندة التعريفات الجمركية للرئيس الأميركي في قلب معظم الأحكام الكلية العالمية.
السرعة التي فُرضت بها الرسوم في الأشهر الأولى أربكت كثيرين، ومع حلول 2 أبريل بدا أن ترامب سيمضي قدماً في تهديداته التجارية.
لكن ما لم يكن تحت الأضواء بقوة، هو القيود الاقتصادية والسياسية التي تواجه إدارة ترامب لتطبيق مثل تلك الرسوم الجمركية المتبادلة، وهو ما دفع ترامب بعد أيام، لتأجيل العمل بها إثر اهتزازات في أسواق الأسهم والسندات الأميركية.
لاحقاً، صار كثير من تهديدات السياسة التجارية يُنمذج باعتبارها "افتتاحيات تفاوضية" كثيراً ما تُراجَع، ليتم وصفها لاحقاً من الصحفي روبرت أرمسترونغ بـ «Taco» اختصاراً لـ Trump Always Chickens Out – ترامب يتراجع دائماً.
ومع تقدّم العام، تراجع معدل التعرفة الفعّال في الولايات المتحدة بفضل مزيج من التفاوض والاستثناءات لتخفيف الأعباء عن الصناعات الحيوية والحد من ضغوط كلفة المعيشة. وبالتبعية، تحسّنت توقعات النمو العالمي وأداء الأسواق.
ومع ذلك، فإن تأجيل الرسوم وتخفيفها لا يكفي وحده لتفسير النتائج الاقتصادية المتماسكة هذا العام؛ فمتوسط التعرفة الفعّال لا يزال أعلى بنحو سبعة أضعاف من العام الماضي.
2. المرونة: اقتصادات وشركات وأسواق تتكيّف أسرع مما ظن المحللون
العامل الحاسم، برأيي، كان الاستهانة بمرونة القواعد الاقتصادية وقدرة الشركات والأسواق على التكيّف.
هيمنة الصين على سلاسل الإمداد العالمية، بدت كحائط صد من الرسوم الحمائية الأميركية، حتى مع منع بضاعتها من الوصول إلى الأسواق الأميركية، فإن قدرتها على التصدير لأسواق بديلة، وقوتها الابتكارية لم يكن يمكن إيقافها. لكن هذه السردية لم تكن التوقع الأساسي الذي قدمه الاقتصاديون في بداية العام. حتى في مجال التكنولوجيا، أدهشت DeepSeek العالم بنموذج ذكاء اصطناعي منخفض الكلفة.
وقد ساهمت قوة الصين في 2025 في دعم النشاط الاقتصادي العالمي؛ إذ رفع صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع توقع نموها السنوي إلى 5%، أي أعلى بنسبة نقطة مئوية كاملة من تقديره في أواخر أبريل.
كما أن جهود صانعي السياسات عالمياً لمعادلة أثر «أميركا أولاً» عبر الإنفاق، والإصلاحات، واتفاقات تجارية جديدة، عزّزت الثقة والنشاط.
ويمكن القول إن جميع التوقعات الاقتصادية بالغت في تأثير الرسوم الجمركية على أرباح الشركات الكبرى، لكن لم يكن هذا هو واقع الحال.
قلّصت الشركات الأميركية اعتمادها على الواردات عبر بناء مخزونات مسبقاً، والتوريد المحلي، والاستيراد من دول ذات رسوم أقل. كما سمح خفض الكلف ورفع الكفاءة للشركات بالحفاظ على الهوامش.
وفوق ذلك، فإن تقديم الواردات قبل تطبيق الرسوم جعل التجارة العالمية أقوى من المتوقع هذا العام.
3. ممتصات الصدمات: الصحة والذكاء الاصطناعي… والدولار الضعيف
حتى مع حساب مرونة الشركات، فقد فاجأت قوة الاقتصاد الأميركي كثيرين، رغم استمرار الرسوم والضبابية. وهنا لعبت عوامل تعويض جرى التقليل من شأنها دوراً أساسياً.
أشار باريك في مقاله له في مايو الماضي إلى أن قطاع الرعاية الصحية كان يسند النشاط الاقتصادي في أميركا. وبالفعل، أبقى القطاع إنفاق الأسر متماسكاً، وشكّل 83% من كل الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة حتى الآن من عام 2025.
لكن طفرة الذكاء الاصطناعي كانت الدعامة الأهم هذا العام.
فقد ساهم الذكاء الاصطناعي بما لا يقل عن نصف معدل نمو الولايات المتحدة البالغ 1.6% خلال النصف الأول من 2025. إذ عوّض الاستثمار في معدات تقنية المعلومات ضعف الإنفاق الاستثماري الأوسع، فيما عوّض بناء مراكز البيانات فتور نشاط الإنشاءات.
إلا أن باريك أخطأ هو الأخر في تقديراته بسبب تركيزه أكثر من اللازم بتتبع آثار الإنتاجية المستقبلية للذكاء الاصطناعي، وغاب عنه الطلب القريب الهائل على بنية تحتية لهذه التقنية؛ ما قاد أيضاً إلى التقليل من شهية المستثمرين لأسهم التكنولوجيا الأميركية مرتفعة التقييم أصلاً.
داعمة للنشاط عالمياً أيضاً، قدّرت منظمة التجارة العالمية أن أشباه الموصلات والخوادم ومعدات الاتصالات قادت نحو نصف توسّع التجارة العالمية في النصف الأول من العام.
كما لعب ضعف الدولار الأميركي دور ممتصّ صدمات عالمي، إذ عزّز أداء الأسواق الناشئة على نحو خاص.