الاقتصادي - المحامي والمستشار القانوني صهيب الشريف - تعمل الشركات وفق أحد نظاميّ العمل؛ المركزية أو اللامركزية. وتعني المركزية امتلاك سلطة واحدة لصلاحيات اتخاذ القرار دون مشاركة أي مستويات إدارية أخرى. وبطبيعة الحال، فإن المركزية درجات، فكلما انحصرت تلك الصلاحيات في يد مستوى واحد كلما زادت درجة المركزية في الشركة.
بينما تعني اللامركزية توزيع الصلاحيات بين عدة مستويات إدارية بجانب السلطة المركزية، بحيث تخضع هذه المستويات الإدارية للرقابة والإشراف من قبل السلطة المركزية.
ومن الطبيعي أن يكون لنظام العمل المركزي مزايا متعددة، أبرزها؛ سهولة التنسيق وتوحيد الممارسات بين مختلف الإدارات بما يضمن الحد من الأنشطة المتداخلة والمكررة، تحقيق الإنتاجية العالية، الحد من نفقات الشركة التشغيلية وخفض معدل المخاطر، السهولة في إجراء عمليات الرقابة والإشراف.
أما أهم عيوبها، فهي؛ البيروقراطية، صدور قرارات غير مدروسة وخاطئة بسبب عدم الوصول/الاطلاع إلى الحقائق والمعلومات المهمة، التقييد في الابتكار والإبداع، وأخيراً إثقال السلطة المركزية بالتفاصيل.
أما مزايا اللامركزية، فأبرزها؛ تخفيف العبء عن السلطة المركزية من خلال تحقيق التوازن بين المستويات الإدارية، المرونة في حل المشكلات، سهولة تطوير العلاقات المباشرة مع العملاء، تطوير الخبرات والقدرات، القدرة على التعامل مع المواقف والأزمات. في حين تكمن أبرز عيوبها، في؛ ارتفاع تكاليف النفقات، ضعف في عمليات الرقابة والإشراف، إضافة إلى التناقض في القرارات والخلافات بين السلطات اللامركزية.
أي نظام عمل أنسب للشركات العائلية، المركزية أم اللامركزية؟
بشكل عام، أرى أن النظام اللامركزي يساعد على منح الأبناء ثقة أكبر، إذ يحفزهم على تحسين أدائهم من جهة، ويحقق شكلاً من أشكال المنافسة الصحية فيما بينهم من جهة أخرى. وأعتقد أن النظام اللامركزي سيمكنهم من اتخاذ قرارات استراتيجية دون سيطرة من المؤسس.
على صعيد آخر، توفر اللامركزية الكثير من الوقت للمؤسس للقيام بالمزيد من الأعمال ذات القيمة/الاستراتيجية، مثل التركيز على الرؤيا العامة للشركة والتأكد من تحقيق أهدافها، بدلاً من استنفاذ وقته في معالجة المشكلات والقضايا الفرعية، فضلاً عن توفير فرصة للأبناء للتفكير في مستقبل الشركة والتطوير على أعمالها وإيجاد حلول لمشاكلها. بدلاً من الارتكان على المؤسس في متابعة هذه المسائل.
ومن الجدير بالذكر، أن حصر اتخاذ القرارات في يد المؤسس سيضمن غالباً عدم اتخاذ قرارات خاطئة، لكن مع ذلك عندما تفشل هذه القرارات ستكون العواقب كارثية من جهة، ومن جهة أخرى ستتسبب في عدم صقل المهارات القيادية للأبناء، وبالنتيجة، ستواجه الشركة بالضرورة أوقاتاً عصيبة عند غياب المؤسس لأي سبب مفاجئ وعارض. لذا توفر الشركات اللامركزية للأبناء أو حتى الموظفين فرصة الصعود إلى الأدوار القيادية، مما يؤهلهم لأن يصبحوا قادة لديهم قدر أكبر من الاستقلالية وقدرة على التصرف بشكل حاسم في الأوقات التي تتطلب ذلك، وحتى وإن صدرت عنهم قرارات خاطئة، إلا أنها ستكون محصورة العواقب، خصوصاً في ظل وجود المؤسس.
هذا ولا بد من الإشارة إلى أن هنالك عوامل تحدد درجة المركزية/اللامركزية في الشركات العائلية، أهمها؛ حجم الشركة، إذ تغدو المركزية مثالية للشركات الصغيرة، واللامركزية مثالية للشركات الكبيرة، عقلية وتوجهات المؤسس للشركة، كفاءة الأبناء كمدراء. وأخيراً، أهمية القرار (هنالك قرارات استراتيجية تؤثر على الشركة بشكل مباشر مثل معدل الإنتاج، التكاليف والنفقات، الشراكات الاستراتيجية، الخ).
أي نظام عمل مناسب للشركات العائلية الصغيرة والمتوسطة في فلسطين؟
كُنت قد أشرت في مقال سابق منشور بعنوان "مشكلة الشركات في فلسطين"، إلى أن غالبيتها العظمى من حيث طبيعتها هي؛ شركات غير مُمأسسة (باستثناء الشركات المدرجة أو التي تنظم عملها جهات تنظيمية ورقابية)، أي أنها شركات لا تحكمها الأنظمة والسياسات، ولا تعتمد على هيكلية توضِّح الأدوار والمسؤوليات والصلاحيات، كما أنها لا تعمل وفق خطة عمل، ولا تصرف ضمن موازنة معتمدة. وخلصت في المقال إلى أن مشكلة معظم الشركات في فلسطين، وبما فيها الشركات العائلية تتمثل بأنها شركات "غير ممأسسة" لا تعمل وفق أحكام قانون الشركات ولا تعتمد أساسيات وقواعد الحوكمة.
مع التأكيد على وجود تشابه بين الشركات العائلية، إلا أن هنالك تنوعاً كبيراً بينها. فهناك الشركات الناشئة والقديمة. والشركات المملوكة لشخص واحد والمملوكة لعدد من المساهمين، والشركات معقدة الأنشطة والشركات بسيطة الأنشطة.
من المعروف أن غالبية الشركات العائلية في فلسطين صغيرة أو متوسطة الحجم، وبالتالي بكون نظام العمل المركزي مناسباً لها كأصل عام، لكن ذلك لا يمنع المؤسس الذي يطمح لاستمرارية شركته أن يكتفي بنظام عمل مركزي، بل بإمكانه أن يتبنى نهجاً واضحاً في التفويض، والذي بالضرورة سيشكل مقدمة جيدة لتبني اللامركزية في المستقبل عندما يقرر ذلك.
تجدر الإشارة إلى أن هنالك خيط رفيع بين التفويض واللامركزية. إذ أن التفويض يقوم على إسناد بعض الصلاحيات لشخص آخر لتنفيذ أعمال معينة ولفترة محددة، مع إبقاء المسؤولية على الشخص المفوض، وغالباً ما يكون التفويض من المديرين إلى المرؤوسين.
وبطبيعة الحال يساعد التفويض المؤسس ليعمل بكفاءة من خلال تمكينه من توسيع نطاق عمله، واستغلال الوقت للتركيز على المهام الأخرى، فضلاً عن أنه يمنح الأبناء قدراً محدداً من السلطة لغايات التطوير والإبداع والابتكار.