
الاقتصادي- في عصرٍ يتغيّر بسرعة، حيث يُعد الذكاء الاصطناعي والتحكّم الآلي من أبرز محركات التطور، تبرز دبي مجدداً كنموذج عالمي في دمج التقنية ضمن أجهزتها الأمنية. إذ أعلنت شرطة دبي عن نشر جيل جديد من السيارات الدورية الذاتية القيادة التي تعتمد على أنظمة استشعار متقدمة وكاميرات عالية الدقة وتبادل بيانات في الوقت الحقيقي لتوسيع نطاق التغطية الأمنية دون الحاجة لتوسيع القوى البشرية.
في هذا المقال، نُلقي نظرة معمّقة على هذه المبادرة الرائدة: من التكنولوجيا التي تقف خلفها، إلى الأهداف التشغيلية، والتعاون الابتكاري، والبرامج الذكية التي تدعمها.
التقنية والوظائف الأساسية للمركبات الذاتية:
تطلق شرطة دبي مركبات تحمل مسمّيات مثل “M01” و“M02” — وهي مركبات صُمّمت للعمل كدوريات روبوتية في شوارع المدينة والمناطق المفتوحة، مع قدرة على مراقبة الحركة المرورية، والمشاة، ومواقف السيارات، وكل ما يندرج تحت نشاط المدينة.
تتمثل التقنية الأساسية للمركبات الذاتية القيادة في استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة لتحليل البيانات البيئية واتخاذ القرارات في الوقت الفعلي. تعتمد هذه المركبات على مجموعة من المكونات الرئيسية، تشمل كاميرات متطورة وأجهزة استشعار متعددة، مثل الرادارات والليدار (LIDAR) لرصد العقبات وتحديد المسار الأمثل.
كيف تعمل أنظمة القيادة الذاتية؟
تعمل مركبات الدوريات الذاتية لشرطة دبي من خلال تحليل دقيق للبيئة المحيطة. توفر الكاميرات رؤية شاملة للمناطق المحيطة وتعالج البيانات باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي. علاوة على ذلك، تسهم أجهزة الليدار في إنشاء خرائط ثلاثية الأبعاد دقيقة للمحيط لتحليل العقبات وضمان القيادة الآمنة.
التطبيق في حالات الطوارئ:
من بين الوظائف الأساسية لهذه المركبات، قدرتها على التعامل مع حالات الطوارئ بكفاءة. فعلى سبيل المثال، يمكن للمركبة إطلاق بلاغ تلقائي إلى مراكز الشرطة في حالة اكتشاف حادث أو سلوك مشبوه. علاوة على ذلك، يمكنها تقديم الدعم الفوري للضباط في أماكن الحوادث دون الحاجة إلى تدخل بشري مباشر.
أبرز مكوّنات التقنية:
أجهزة ليدار (LiDAR) ورادارات تغطي مجال رؤية 360 درجة، تكشف الأجسام وتُصنّفها، وتحدد موقعها بدقة على الخريطة الحيّة.
كاميرات عالية الدقة تُجمِع بيانات الصورة والفيديو في الوقت الفعلي، تُرسل مباشرة إلى مراكز القيادة والتحكّم.
شبكات اتصال ذكية تربط المركبة بمنصة “القيادة والسيطرة” في شرطة دبي، ما يمكّن الضباط من مراقبة المشهد عن بُعد، وتحريك الدعم الميداني أو اتخاذ إجراءات وقائية.
إذًا، هذه المركبات ليست مجرد سيارات ذاتية القيادة، لكنها عقدة ذكية ضمن منظومة أمنية متكاملة تتعامل مع “الوقاية الذكية” بقدر أكبر من “التدخل بعد وقوع الحادث”.
الأهداف التشغيلية لتقنيات الدورية الذاتية:
هذه المبادرة سترتكز على مجموعة من الأهداف التي تستهدفها شرطة دبي ضمن استراتيجيتها الذكية، ومنها:
توسيع التغطية الأمنية الذكية: الدوريات الذاتية تعمل على مدار الساعة في المناطق ذات الكثافة العالية أو التي تحتاج مراقبة مستمرة، وتُعد إضافة نوعية للمنظومة الأمنية التقليدية.
تحسين كفاءة الدوريات: باستخدام الذكاء الاصطناعي والمعالجة الفورية للبيانات، يتم تقليل الاعتماد على العنصر البشري في بعض المهام الروتينية، مما يوفر وقت الاستجابة.
دعم الاستجابة السريعة للحوادث: عندما تكشف المركبات الذاتية عن سلوك مشبوه أو نشاط غير عادي، يُمكنها فوراً إرسال إنذار مع موقع دقيق، لينطلق الدعم البشري أو الميداني بسرعة أكبر.
التحوّل إلى الشرطة المعتمدة على البيانات: تجمع هذه التقنيات بيانات ضخمة وتحليلات لحالات المرور أو السلوك الجنائي، ما يمكّن من التخطيط الأمني الذكي واتخاذ القرار المبني على معطيات دقيقة.
من خلال هذه الوسائل، تؤكد شرطة دبي أنها لا تكتفي بمتابعة التطورات العالمية، بل تقوم بتطبيقها فعلياً على أرض الواقع.
الابتكار والتعاون مع الشركات الناشئة:
لم يكن هذا المشروع مجرد مشروع تقني داخلي، بل تعاون واسع بين شرطة دبي وشركات التكنولوجيا الوطنية والعالمية. فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة Micropolis Robotics – المتخصصة في روبوتات الأرض والذكاء الاصطناعي – أنها طورت نموذج الدورية الذاتية “DPR-02” بالتعاون مع شرطة دبي، وقد دُشّن في فعالية GITEX Global 2025 لأول مرة.
يُشير هذا التعاون إلى أن دبي لا تعتمد فقط على التكنولوجيا الجاهزة، بل تساهم في تطويرها محلياً، ما يعزّز مكانتها كمركز ابتكار عالمي في الأمن والنقل الذكي.
التكامل مع البرامج الذكية للأمن:
تأتي المركبات الذاتية ضمن إطار أوسع لبرامج الأمن الذكي في إمارة دبي. فهي تُعد جزءًا من شبكة معقدة تضم محطات الشرطة الذكية، أنظمة تحليل الصور، مراصد البيانات، وإنترنت الأشياء. فعلى سبيل المثال، شرطة دبي عرضت في حدث Expand North Star نسخًا من مركبات M01 وM02 وهي تعمل بتقنيات الاستشعار المتقدمة.
هذا يسمح بأن تكون هذه المركبات “عقدًا ميدانية ذكية” تساهم في رؤية شاملة وتحليل مستمر لكل ما يجري التكامل على الطرق العامة، مما يمكّن من معالجة المخاطر المحتملة قبل أن تتفاقم.
لماذا تهمك هذه التقنية كمستخدم أو كشخص يعمل في المجال؟
للمستخدم العادي:
توفر لك أجواء أكثر أماناً أثناء التنقل، فأنت تتحرك في بيئة مراقبة ذكية.
وتُعزز الجودة الأمنية في الأماكن العامة، مما يجعل دبي وجهة أكثر أماناً للعيش والعمل.
للمتخصص أو المهتم بالتقنيات:
هذا التحول يعد حالة عملية لدعم الأتمتة والذكاء الاصطناعي في الأمن المدني.
يمكن أن يكون دراسة أو مرجعية للباحثين أو الشركات التي تطور حلول النقل الذكي أو الأمن الذكي.
يوضح كيف يمكن دمج أجهزة الاستشعار، الروبوتات، والذكاء الاصطناعي ضمن منظومة تشغيلية حقيقية وليس مجرد تجارب.
خلاصة
إن إطلاق شرطة دبي لمركبات الدوريات الذاتية ليس مجرد خطوة تقنية، بل هو قفزة استراتيجية نحو مستقبل الأمن الذكي والتنقل المستدام. فهذه المركبات تجعل الإمارة أكثر قدرة على الاستجابة، مراقبة، وتحليل ما يجري في المدينة لحظة بلحظة، مع تقليل الحاجة للتدخل البشري المكثف.
إذا كنت واحداً من عشّاق التكنولوجيا أو من العاملين في قطاع الأمن أو النقل الذكي، فهذه الخطوة هي بوصلة لما يتبعه من تجارب وشركات في المنطقة. دبي تستعد لفصل جديد في كيفية تأمين المدينة وإدارتها.