السلامة أولاً... نصائح لحماية السيارات والسائقين في شركات النقل
2025-10-20 09:58:05

السلامة أولاً... نصائح لحماية السيارات والسائقين في شركات النقل

الاقتصادي- في عالم النقل التجاري، تبقى سلامة سائقين السيارات الركيزة الأساسية لنجاح أي أسطول. فالحوادث لا تقتصر على إلحاق الأذى بالأشخاص، بل تخلّف خسائر مالية ضخمة تشمل تكاليف الإصلاح، وارتفاع أقساط التأمين، وتعطّل العمل، وربما ملاحقات قانونية. ومع أنّ المخاطر لا يمكن القضاء عليها كلياً، إلا أنّ الخطوات الوقائية المدروسة قادرة على خفضها بشكل كبير، وتحويل السلامة إلى ثقافة مؤسسية راسخة.

التدريب المستمر أساس الوقاية

الخبرة وحدها لا تكفي، بحسب المدونة المتخصصة "فوكس تو موف" (Focus to Move)، فحتى أمهر السائقين يمكن أن يقعوا في عادات خاطئة مع الوقت. لذلك، يشكّل التدريب المستمر ركيزة أساسية للحفاظ على معايير السلامة العالية. لا ينبغي الاكتفاء بدورات التعريف الأولى عند التوظيف، بل يجب النظر إلى التدريب كاستثمار دائم في العنصر البشري.

وتشمل البرامج الفعالة دورات القيادة الدفاعية، وتحديثات على قوانين السير، وورش عمل للتعامل مع الظروف الجوية الصعبة. كما يمكن إدراج وحدات تدريبية حول مخاطر القيادة أثناء الانشغال بالهاتف أو القيادة في حالة الإرهاق. وغالباً ما تكون الجلسات القصيرة المنتظمة أكثر فاعلية من الندوات الطويلة المملة، خصوصاً عند استخدام الوسائط التفاعلية أو المحاكاة الإلكترونية لجعل المحتوى مشوقاً وسهل الفهم. وبهذه الطريقة، توصل الإدارة رسالة واضحة مفادها أنّ السلامة أولوية دائمة وليست مجرّد شعار.

تكنولوجيا السيارات شريك في المراقبة

لم يعد من الضروري أن يكون المدير في المقعد المجاور لمراقبة السائق. فأنظمة التتبع الذكي (Telematics) تتيح متابعة السلوك على الطريق لحظة بلحظة، من السرعة الزائدة والفرملة المفاجئة إلى التسارع المفرط والتوقفات الطويلة غير المبررة. وتحليل هذه البيانات يساعد على رصد السلوكيات الخطرة قبل أن تتسبب في حوادث. فإذا تبيّن مثلاً أنّ أحد السائقين يكرر تجاوز السرعة، يمكن توجيهه وتدريبه بدل انتظار وقوع حادث أو تلقي مخالفة. كما يمكن استخدام هذه التقنيات لتكريم السائقين الملتزمين وتحفيز الآخرين على تحسين أدائهم.

وتُعد الكاميرات الأمامية (Dashcams) أداة مكملة فعالة، إذ تسجّل الوقائع بموضوعية، ما يسهل حل النزاعات وتقديم الأدلة في حالات التأمين. والأهم أنّ إدراك السائق بوجود المتابعة يجعله أكثر التزاماً وحرصاً. والغاية ليست فرض الرقابة الصارمة، بل ترسيخ ثقافة المساءلة والمسؤولية، حيث تُستخدم البيانات باعتبارها وسيلة تطوير لا عقوبة.

صيانة السيارات الوقائية ضمانة للأمان

حتى أكثر السائقين التزاماً لا يستطيعون تعويض تقصير في الصيانة. فالمكابح البالية أو الإطارات غير المضبوطة أو نظام التوجيه المعطوب قد يحوّل الرحلة الروتينية إلى خطر حقيقي. لذا، تعد الصيانة الدورية من ركائز السلامة الأساسية. وينبغي أن تعتمد الشركات جدول صيانة وقائياً يشمل الفحص المنتظم والإصلاح الفوري لأي خلل، مهما كان بسيطاً. كما يُستحسن تشجيع السائقين على إجراء فحص بصري قبل كل رحلة والإبلاغ عن أي ملاحظة فوراً.

وقد باتت برامج إدارة الصيانة الرقمية أداة حيوية في هذا المجال، إذ تذكّر بمواعيد الصيانة وتتابع سجل الإصلاحات تلقائياً، ما يمنع نسيان أي إجراء أو إعادة تشغيل مركبة غير مؤهلة للسير. إنّ الصيانة المسبقة لا توفر المال فحسب، بل تمنح السائقين الثقة في مركباتهم والتركيز الكامل على الطريق.

بناء ثقافة "السلامة أولاً"

صحيح أن القواعد والأنظمة مهمة، لكن الثقافة المؤسسية هي ما يصنع الفارق الحقيقي. فإذا تعامل الموظفون مع السلامة كمجرد بند إداري، فلن تتحقق النتائج المرجوّة. أما عندما تصبح السلامة جزءاً من هوية المؤسسة، فإنّ السلوك الإيجابي يمتد تلقائياً إلى جميع أفراد الفريق. ويبدأ التغيير من القمة. فعندما يُظهر المديرون التزاماً واضحاً بالسلامة، يتبعهم الجميع. يمكن مثلاً الاحتفاء بالأشهر الخالية من الحوادث، أو تقديم مكافآت رمزية للسائقين المميزين، أو إنشاء قنوات تواصل مفتوحة لتبادل الملاحظات والمخاوف.

والأهم من ذلك، هو إضفاء البعد الإنساني على مفهوم السلامة، بتذكير السائقين بأن القيادة الآمنة تحميهم وتحمي الآخرين على الطريق. فعندما تُبنى القناعة بأن السلامة مسؤولية مشتركة، يصبح كل فرد جزءاً من منظومة الحماية الجماعية.

بالإجمال، إن تحسين سلامة السائقين في الأسطول لا يتحقق بين ليلة وضحاها، لكنه استثمار طويل المدى يعود بالنفع على الجميع. فحين يدرك السائقون أنّ مؤسستهم تهتم بسلامتهم حقاً، يبادلونها التزاماً أكبر وانضباطاً أوسع. والنتيجة بيئة عمل أكثر أماناً، وأداء أعلى، وخسائر أقل... قبل كل شيء، طرق أكثر أماناً للجميع.

تجدر الإشارة إلى أن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حوادث السير التي تشمل أساطيل النقل التجاري حول العالم، ما دفع الحكومات وشركات التأمين إلى فرض معايير أكثر صرامة للسلامة المرورية وتشجيع التحوّل نحو الرقابة الرقمية الذكية. وتُظهر تقارير دولية أنّ الاستثمار المنتظم في تدريب السائقين والتقنيات التتبعية والصيانة الوقائية يمكن أن يخفض معدلات الحوادث بنسبة تتجاوز 40% ويعزز كفاءة التشغيل واستدامة الأعمال.

 

Loading...